وعليه فإن توافقاً آخر على اعتبار رواية "جلال خالد" (1928) لـ محمود أحمد السيد (1901 – 1937) العمل الروائي الأوّل الذي رغم قصره نسبياً، إلّا أنه كان يحمل بنية رواية لا تخلط بين القصة والمسرح كحال أغلب المحاولات التي قدّمها السيد نفسه وكتّاب آخرون قبل ذلك بسنوات عدّة.
بعد قرابة تسعين عاماً على صدورها، تعيد دار "سطور للنشر والتوزيع" في بغداد طبع الرواية التي تتألف من 102 صفحة، وتتضمّن عتبة تشير إلى مناهضة كاتبها للاستعمار البريطاني، حيث دوّن السيد في بدايتها: "مهداة إلى فتية البلاد التي تريدها على الجهاد في سبيل الحرية والحق"، إلى جانب مقدّمته التي جاء فيها "هذه القصة موجزة وهي لا يجازيها لا تماثل القصص التحليلية الكبيرة ذوات التفاصيل الدقيقة، فأنت تراها أشبه شيء بالمذكرات أو الحديث، وهي حقيقية استندت في كتابتها إلى مذكرات صاحبي جلال خالد الخاصة ورسائله إلى أصحابه ورسائلهم إليه..".
تحت عنوان "مغامرة الريادة" كتب الناقد محمد جبير على الغلاف الأخير: "يحق لنا بعد مئة عام أن نحتفل بصدور أول مشروع سردي عراقي... حفّز على كتابة أعمال أخرى اقتربت منه أو ابتعدت، فإن ذلك شكّل تراكماً إبداعياً في مسيرة العملية الإبداعية، وأسهم لاحقاً في بلورة اتجاهات فنية حديثة في الأعمال السردية العراقية على صعيد القصة القصيرة أو الرواية.
ما بدا لافتاً ومستهجناً في مقدّمة الرواية وتذييلها بورقة نقدية أخرى تشيران إلى مرور مئة عام على إصدارها الذي لم يمض عليه سوى 89 عاماً، فلماذا هذا الاحتفاء المستعجل بمئوية لم تتمّ بعد، وهل تستوجب استعادة هذا العمل أو غيره مرور أعوام محدّدة على نشره، أم يندرج ضمن رغبة في تضخيم منجزاتنا الأدبية؟
يُظهر العمل تأثّراً بما قد طالعه السيد في زمنه من روايات وقصص، وهو الذي درس في الهند وألمّ باللغة التركية وثقافتها، لكن "جلال خالد" نحت إلى التغريب أكثر مع احتفاظها بمسحة وعظية أخلاقية ظلّت تسيطر على السرد العربي عموماً حتى الستينيات.
كما بثّ السيد أسئلته الوجودية حول الإنسان والحياة والموت، وقراءاته لما عايشه من أفكار وأحداث في زمنه، وضمّنها في جزءين؛ الأول يضمّ مذكرات جلال خالد في فترة الاحتلال البريطاني للعراق الذي غادره فتى في العشرين إلى الهند حيث يلتقي هناك أحد كتّابها ف. سوامي، والذي يعمل على تشجيع الناس على الثورة من خلال كتاباته، وهو ما يلتقي به مع خالد، والثاني يشتمل على مراسلات الأخير مع اثنين من أصدقائه حول مقاومة المستعمر ونشر التعليم وفتحه أمام المرأة وإصلاح المجتمع ويناقش خلالها العديد من القضايا الإشكالية.