"ثورة مضادة" لإجهاض تظاهرات العراق

03 سبتمبر 2015
اتهامات للمتظاهرين بأنهم عملاء و"دواعش" (الأناضول)
+ الخط -

تكشف عشرات رسائل التهديد الإلكترونية وأخرى ورقية مرفقة برصاصة كلاشنكوف، تُدسّ ليلاً تحت أبواب منازل قادة التظاهرات في العراق والناشطين البارزين فيها، أو ترسل إلى هواتفهم، عن "ثورة مضادة" لهذه التظاهرات التي شغلت البلاد في الفترة الأخيرة. هذه التهديدات التي تُرجمت بتسع عمليات اغتيال في بغداد والبصرة والناصرية والكوت وبابل استهدفت هؤلاء الناشطين خلال الأيام الأربعة الماضية، تؤكد وفقاً للناشط المدني سعد الدوسري من مدينة أبو الخصيب في البصرة، أن "هناك ثورة مضادة لثورتنا تقف خلفها أحزاب دينية ومليشيات موالية لإيران، لا زال الوقت مبكراً لفضحها بالأسماء".

الدوسري الذي وصل أخيراً إلى بغداد حيث سيعقد مع باقي قادة التظاهرات اجتماعاً لمناقشة ما وصفه بـ"محاولة إسكات الثورة ضد الفساد والتخلّف والطائفية في المؤسسة الحكومية بالبلاد"، يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات الاغتيال والتهديد هي أولى محاولات إسكاتنا وستكون هناك مراحل متقدمة أخرى نعدّ العدة لمقاومتها أيضاً، قد يكون منها خلق فتنة طائفية جديدة أو تردٍّ أمني وعمليات إرهابية كحدث أكبر من أجل إلهاء الناس وإلغاء التظاهر أو صرف الناس عنها بدعوى وجود خطر أكبر، وهو ما عوّدتنا عليه الأنظمة العراقية المتتالية بعد احتلال العراق"، متوقّعاً "ذلك في مرحلة أخرى تلي عمليات التهديد والقتل وإغلاق الطرق وتطويق الساحات".

ويشير الدوسري إلى الاتهامات الموجّهة لقادة التظاهرات، ومنها "أننا استلمنا مبالغ مالية من السفارة الأميركية، وأننا من عملاء إسرائيل في بغداد، وأننا بعثيون، فيما وصفنا البعض بأننا دواعش، وبعضهم اتهمنا بالإلحاد لأننا رفعنا خيار الدولة المدنية، ودعا لقتلنا بحجة محاربتنا الله والإسلام".

وعلى الرغم من أن الدوسري يسخر من تلك الاتهامات ويعتبرها مفيدة كونها "تكشف مدى ضحالة الفكر السائد لدى السياسيين والقادة الفاسدين، وتُمكّن الشعب من أن يراهم بالعين المجردة"، إلا أن زميله وائل أحمد، أحد الناشطين في التظاهرات الشعبية في بغداد، يجد تلك الاتهامات "خطيرة وتؤسس لفكرة التصفية الجسدية لمنظمي التظاهرات، وهو ما بدأ فعلاً".

ويقول أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك متطرفين من المليشيات والأحزاب الدينية التي ترعاها، سيعتبرون تلك الاتهامات فتوى لقتلنا، وخصوصاً أن الإصلاحات التي ننادي بها ستمس إمبراطوريتهم التي شكّلوها منذ سنوات"، لافتاً إلى أنه يتنقل بحذر بعد قتل زملاء له كخالد العكيلي الذي اغتيل أمام باب منزله من قِبل مليشيا مسلحة ترتدي زي قوات الأمن العراقية.

وكان حميد عبد الرضا، القيادي في حزب "الدعوة الإسلامية" (الذي يتزعمه نوري المالكي) في محافظة بابل، قد اتهم المتظاهرين بأنهم مدسوسون وتلقوا أموالاً من إسرائيل والولايات المتحدة للتأثير على سير معارك العراق ضد الإرهاب وفتح جبهة داخلية وإضعاف من وصفهم بالمجاهدين والحكومة. فيما اتهم القيادي بالمجلس الأعلى في البصرة حسن الحلفي، المتظاهرين بأنهم خليط من البعثيين والدواعش، وبأن هدفهم ضرب المرجعية الدينية والعملية السياسية.

اقرأ أيضاً: اغتيالات تطاول قادة التظاهرات العراقية... واتهامات للمليشيات

لكن هذه المواقف تختلف تماماً عن موقف المراجع الدينية في النجف وكربلاء من التظاهرات، إذ أيّد المرجعان الدينيان علي السيستاني وبشير النجفي، أكبر مراجع العراق الدينية، تلك التظاهرات، ودعيا الحكومة لحمايتها وتلبية مطالبها، وهو ما يراهن عليه رئيس الحكومة حيدر العبادي للاستمرار بعملية الإصلاح الداخلي، وأيضاً المتظاهرون في استمرار حراكهم الشعبي، وفقاً لما يؤكده أستاذ الإعلام في جامعة صلاح الدين الخبير بالشأن العراقي جمال النقيب.

ويرى النقيب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نبرات التهديد والتخوين ضد المتظاهرين تتصاعد من قِبل الوسط الديني، ونظرية المؤامرة حاضرة ومنها الاتهامات بتلقي أموال إسرائيلية وأميركية وأن المتظاهرين من حزب البعث وداعش وغيرها، إضافة إلى القتل الجاري بالتزامن مع ذلك، فضلاً عن مساعٍ سياسية وحيل للسياسيين موجّهة ضد التظاهرات".

ويضيف النقيب أن "تلك التظاهرات يمكن وصفها بالعفوية، فالناس خرجت فيها من غضب وكوسيلة تنفيس طبيعي لما يحدث"، معتبراً أن "أياً من مراجع الدين لن يغامر بدعوة الناس للتوقف عن التظاهر، لأن المتظاهرين لم يطالبوا بشيء غير شرعي أو غير قانوني، وعلى الحكومة أن تستجيب لمطالبهم".

ويتوقّع أن "تؤدي عمليات أو محاولات وأد التظاهرات، إلى اتساعها بشكل أكبر من الحالي بسبب الرسائل التي ستوصلها بذلك الأحزاب السياسية إلى الشعب والتي ستعيد لهم جزءاً من ذاكرة حقبة النظام السابق قبل الاحتلال"، مشيراً إلى أن "دخول ما يُعرف بالثورة المضادة إلى العراق سيفتح طرقاً جديدة تفضي إلى نهايات غير جيدة وعلى الجميع إيقافها لأن الوضع العراقي لا يحتمل ذلك على الإطلاق".

وفي السياق نفسه، يكشف مصدر حكومي عراقي رفيع لـ"العربي الجديد"، أن العبادي يسعى لعقد اجتماع مع منظمي وقادة التظاهرات في بغداد سيكون هو الأول من نوعه منذ نحو شهرين. ويوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "العبادي لن يطلب منهم إيقاف التظاهرات بل سيدعوهم لتحديد مكان وزمان لها، لأن التظاهرات الحالية يومية وعشوائية"، مشيراً إلى أن "رئيس الوزراء يستفيد من التظاهرات كغطاء لإجراء مزيد من الإصلاحات في البلاد ولن يسعى لإيقافها، لكن المتضررين منها ومن يدفعون لهم يحاولون قمعها مهما كانت التبعات على البلاد، وهو ما يقلق المرجعية والحكومة في الوقت نفسه".

اقرأ أيضاً: قلق أممي من اغتيال ناشطين عراقيين

المساهمون