"ثمة ما هو فاسد في مملكة الدنمارك"

07 ابريل 2015

قضية نزاع أخلاقي

+ الخط -

ترددت كثيراً قبل تناول هذا الموضوع، فهو شخصيّ من دون أن يكون خاصّاً، وهو يُظهر نيّة للإساءة، في حين أنه يرمي إلى التصويب ووضع الأمور في نصابها. والحال، ثمّة ما لم أعد قادرة على هضمه أو استيعابه، وهو أن يتهيّأ لبعضهم، وقد باتوا كثراً، أن في استطاعتهم استباحة أصول التعامل وأخلاقياته، لمجرد أنهم تواقحوا، فارتكبوا فعلتهم ونجوا بها، فارضين على الطرف الآخر الرضوخ للأمر الواقع.
وقد يقول قائل، ما فتئت تلك سنّة التعامل بين الناس، فكيف بها في مجتمعات أضاعت بوصلتها وكل قيمها الأخلاقية، وباتت تمتثل بشريعة الغاب. "فالشاطر بشطارته"، و"الكبير يأكل الصغير"، و"اليد التي لا تقدر عليها، قبّلها وادع عليها بالكسر"، وسواها من أمثلة شعبية رائجة تتحدث عن "حكمة" الرضوخ للأمر الواقع، وعدم خوض معارك خاسرة سلفاً، وتناسي الأمر، والمضيّ قدماً.
لكن، المسألة ليست مسألة ربح أو خسارة. إنها قضية نزاع أخلاقي، لا ينبغي التقليل من شأنه، أو التغاضي عنه. وإن آثرتُ عدم ذكر الأسماء في ما يلي، فللسبب المذكور إياه، أي تقديماً للعام على الخاص، وبغية الإشارة إلى ما بات يشكّل لغة تعامل دارجة، في الحقل الثقافي.
في إطار عملي في محترفي لكتابة الرواية، جرت معي حادثتان معبّرتان. الأولى، وتتعلق بكاتبة عربية انتسبتْ إلى محترفي، في دورته الثانية التي أقيمت في البحرين، حضرتْ كل الورش، والتزمتْ بتوجيهاتي، أسلوباً ولغة وبناء، إضافة إلى تحريري نصها، حتى أنجزت روايتها. لكنها، حين حان موعد نشر الروايات الثماني، انسحبتْ متعلّلة بظروف صحية طارئة، كما أخبرتني، وهو ما لم أشكك به، في حينه، ولا أشكك به اليوم أيضاً.
ثم اكتشفتُ، متأخرة جداً، مصادفة، أنها نشرت روايتها، منذ فترة. لم يزعجني الأمر بادئ ذي بدء، لكني، وبعد سؤالها عن الأمر، اكتشفتُ أنها سمحت لنفسها أن تنشر عملها. أولاً، من دون أن تعلمني. وثانياً، من دون أن تفي بالتزامها الذي يجبرها أن تذكر على غلاف روايتها أن عملها أنجز في إطار محترفي. وثالثاً، من دون أن تشكر الجهة التي استضافتها ثلاث مرات متتالية. كما أنها لم تشر، ولو شفهياً ومن باب النزاهة الأخلاقية، إلى تجربتها مع المحترف، هي التي تكتب عموداً أسبوعياً في إحدى كبريات الصحف، تعلّمنا فيه الأخلاقيات وأصول التصرف! الطريف في الأمر أني كنت لأعفيها من التزامها ذاك، لأسبابٍ تتعلق، هذه المرة، بمستوى الرواية وجودتها، فقط لو أنها استأذنتني..
الحادثة الثانية تتعلق بمؤسسة ثقافية معروفة، وقّعت معها، كمحترف، عقد شراكة. والشراكة كانت تعني عملياً أن أطبق برنامجي كاملاً، وأن تعنى هي، كمموّلة، بتنظيم الورش وتأطيرها. وعلى هذا الأساس، عملتُ خلال أشهر، وإذ بي أفاجأ، شيئاً فشيئاً، أنها تتصرف على أن برنامجي ملك لها، بحيث راح اسم محترفي، ومعه الشراكة، يضمحلان شيئاً فشيئاً، لأصبح مجرد "مدربة" في برنامجها هي!
ومع اقتراب موعد نشر الروايات الثماني المنجزة، أصررت أنا، دفاعاً عن محترفي، وحفاظاً على حقي، على وضع اسم محترفي على قفا الأغلفة، كما في الدورتين السابقتين، مع احترام الشراكة وذكر المؤسسة، إنما في الموقع الثاني، فبدأت معركة لي ذراع، انتهت بإزاحتي وعدم تجديد العقد الذي كان يفترض أن يدوم ثلاث سنوات، والاستيلاء، بكل بساطة، على فكرة محترفي، والإتيان بشخص جديد ليحل محلي... هكذا هم المانحون، قيل لي، يكفي أن يدفعوا كي يعتبروا أنهم بأموالهم قد اشتروا أفكارك وجهدك وحقوقك الفكرية، وربما حتى عقلك.
كان لي جدّ تحدّى "البيك"، كي لا يحلف باطلاً، مع علمه أنه سيدفع الثمن باهظاً. فهل هي جيناتي التي ترفض الغبن، أم أن "ثمة ما هو فاسد في مملكة الدنمارك"؟

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"