القدرات الواسعة لصوت تامر أبو غزالة ليست محلاً للجدال، وكذلك رؤيته التجديدية - أو التجريبية بالأحرى - في استخدام خطوط الصوت اللحنية المتعددة إلى جانب الصوت الرئيسي بطل الأغنية بالتقاسم، واختياره لغناء كلمات الفصحى لا يعني التقيّد بالكلاسيكية والمحافظة في الغناء أو تفعيلات النطق واللحن على حدٍّ سواء، ويمكن توضيح ذلك بأن غناء الألحان في ألبومه "ثلث" يناسب ويحتمل أن يكون مُصاحباً للعديد من أنواع الموسيقى خارج إطار الموسيقى العربية المتعارف عليه.
الطابع الشامي ملموس في أغنية "فجر البيد" والإيقاع يحمل روح الصحراء والحداء وأغاني الركب، لم يتجاوز اللحن مشكلة الانفصال عن الكلمات بحيث إنه حينما انضمّ إليه التوزيع بزخمه جعل من الصعب متابعة المعاني الكاملة للجمل، أما أغنية "أنا نملة" فحملت بداية مخاطرةٍ باستخدام سطور هارمونيات الأصوات المتداخلة ولكنها موفقة للغاية. وعلى العكس من دور أبو غزالة الارتجالي في ألبوم "الألف"، يتضح الجهد الذي تم بذله في الألحان، ثمّ في تحويلها إلى أعمال هارمونية متكاملة التوزيع.
واضح أن الموسيقى كُتبت بعناية بعيداً عن الارتجال. بطل الألبوم كان الإيقاعات المكتوبة والدرامز والمؤثرات الصوتية المستخدمة على خطوط الصوت، والتي تمّ استخدامها بحساب، بحيث فاقت الخطوط اللحنية الموسيقى في أهميّتها كما فاقتها في المجهود المبذول والدقة في الصنع وكانت مهمة بقدر الصوت الرئيسي، عدا أجزاء بسيطة استخدم فيها أبو غزالة لعبته المفضلة الموسيقية بوضع النوتات المتضادة لخلق الهارموني.
في "الغريب"، نلمس مرونة صوت أبو غزالة في تحوّله من أغنية وحالة إلى أخرى. هنا، لا يخفي الـ "روكر" بداخله في توزيعاته وجمله اللحنية حتى في صورتها البدائية. أما في "علامة"، فلم تكن اللهجة المتأرجحة بين المصرية العامية والفلسطينية هي الوحيدة المرتبكة، بل كذلك المعنى المبهم للكلمات رغم عذوبته وكونه أبسط ألحان الألبوم.
الروح الساخرة لـ أبو غزالة لا تنأى عن الظهور، وكذلك الأثر الحاد للفلكلور الفلسطيني في لحن "خبر عاجل"، أما في "حلم"، حيث خاطر بأن تكون أغنية لصوت رجل، ولم يكن ذلك مناسباً سواء من ناحية اللحن أو الكلمات. نجد هنا أثر تخبّط، بين الكلمات واللحن غير المنتظم المتمرد والتوزيع المتنقل بين الروك والجاز والعربي الكلاسيكي، واستخدام ثيمة موسيقية كارتونية، لكن الأغنية أكدت على حسن استخدامه للصوت كمؤثر صوتي وأداة وإن لم تقل شيئاً فعلياً من حيث المعنى.
في "البلاعات"، يقدّم محاكاة ساخرة لكل من أغنية الشيخ إمام الشهيرة "بقرة حاحا"، وللأغاني التجارية المصرية رخيصة التنفيذ وإن لم يحاكها في قلة الجودة، وانتقل من الشكل الموسيقي الشعبي المصري إلى "سطر باص" مقتبس من إحدى أغاني مرلين مانسون، والذي يتضح تأثر أبو غزالة الشديد به. يختم الأغنية بتساؤل رمزي ساخر، "أنا ليه بتكلم مصري وأنا فلسطيني؟". في الحقيقة، ينجح الفنان أحياناً في تلبّس الروح المصرية في التفكير والكتابة والتلحين والأداء ويخفق أحياناً كثيرة لغلبة ثقافته الفلسطينية وهذا أمر طبيعي.
الألبوم في مجمله، حمل مجهوداً في صنع ألحانه وتوزيع وتنفيذ موسيقاه وأصواته لم يوازه مجهود في انتقاء الكلمات ومراعاة اتصالها بالألحان، تميّزٌ حاد وملحوظ للإيقاعات، كما حملت التوزيعات طابعاً متأرجحاً داخل القطعة الواحدة بين الـ "هارد بروغريسيف روك" و"الجاز" في أغلب القطع، إلى جانب النقلات الإيقاعية المفاجئة على التوازي مع النقلات اللحنية المقامية وكلاهما تم بنفس القدر العالي من الجودة.
كما لا نغفل الأداء المتميز لخيام اللامي على الدرامز وهندسة الصوت المتميزة في عمليتي التسجيل والمزج، لنخلص إلى أن هذا الألبوم صنع بروح مخلصة من أجل الموسيقى، وبالقطع هو تجربة تستحق السمع والإشادة.