"تنظيم الحمدين" في خطاب الذباب

02 مايو 2018
+ الخط -
لم يسبق لخلافٍ، أو صراع سياسي دولي، في ما خبرت من تاريخ العالم العربي، طوال نصف قرن مضى، وكذا في ما قرأت عن حقبٍ سالفة، أن انحدرت تعبيراته إلى دركٍ من السب والشتم والتخوين، يشبه هذا الذي بات يطبع الأزمة الخليجية بطابعه البذيء، وما فتئ يتعزّز، منذ نحو سنة، بأرذل أنواع الكلام، لا من قطعان الأتباع المسمّاة الذباب الإلكتروني، على مواقع الإعلام الاجتماعي فحسب، بل من المتبوعين أيضاً، وبعضهم يتبوأ، للأسف، مناصب توصف بالرفيعة، لدى أنظمة الحكم  في بلدانهم.
دع عنك، في هذه العجالة، أسباب الأزمة بين الدوحة وكل من الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة، حقيقية كانت أو ملفقة، واقفز، إذا أردت، عن كيفية إشعال شرارتها ابتداءً، باختراق وكالة الأنباء القطرية، لنشر تصريحاتٍ منسوبة كذباً إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واغضض بصرك، إن رغبت، عن فضائح إنفاق دولة الإمارات مئات الملايين من الدولارات، بغية دفع واشنطن، نحو تأييد عدوانٍ غادر كان يُبَيِّتُه الأشقاء ضد الأشقاء، وتجاهل، لو استطعت، تصريحاتٍ سعوديةً رسميةً تشير إلى المقاومة الفلسطينية، بوصفها بعض الإرهاب الذي ينبغي أن يكفّ القطريون عن تمويله.
نعم، دع عنك كل ما سبق، وافترض صحة ما تشاء من الاتهامات السياسية الموجهة إلى قطر، ثم انظر، قبل أن تقتنع بافتراضك، إلى الخطاب السعودي الإماراتي البحريني، المستخدم في التعبير عن الأزمة، لترى كيف بلغت اللغة، والمفردات، والأساليب، حضيضاً ينحدر إلى ما دون أردأ التجارب البراغماتية الذرائعية، عبر محاولته التغطية على تهافت الحجج، ببناء جيوش بروباغندا، وظيفتها ترويج الإساءات الشخصية، والنعرات القبلية، والذمّ العنصري، في حق القادة القطريين، وعائلاتهم، ومواطنيهم، ومن يتعاطف معهم، من عرب وأجانب.
هنا سيأنف القلم، طبعاً، عن ذكر أمثلة، من سيل القاذورات الذي تنتجه مزارع الذباب الإلكتروني، وينهمر بلا توقف، على وسائل الإعلام الجديد، لكن ذلك لا يعفي من إشارةٍ سريعةٍ إلى أن مجراه العريض يعاكس منطق الإقناع، ويستبدله بمنطق الحطّ من قيمة الخصوم، فيصير مصطلح "تنظيم الحمدين" عنوان الطنين الذي يستهدف أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس وزرائه حمد بن جاسم آل ثاني، بعيداً عن، أو ربما بدافع ما حقق الرجلان لبلدهما من إنجازات، عزّ نظيرها في الجوار الخليجي. كما تصير والدة أمير قطر الشيخة موزا بنت ناصر هدفاً لتشهيرٍ ينتهك القيم الدينية والأخلاقية، في ما يبدو كأنه محاولات انتقام من مكانةٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ، لم تسبقها إليها أي من نظيراتها في دول الحصار، وأحرزتها بجهدٍ دؤوبٍ على طريق رفع مستوى التعليم والمجتمع في بلادها، ودعم العمل الإنساني في العالم أجمع، ثم وفي السياق نفسه، يصير أمير البلاد، تميم بن حمد آل ثاني، هدفاً لمهاتراتٍ، يعجز أصحابها عن العثور في سياسته على ما يعيب فعلاً، فيتلاعبون بتحريف اسمه، أو تشويه صوره باستخدام برامج كمبيوترية صبيانية، على نحوٍ لا يضيرُه، بقدر ما يشي بانحطاطهم، ورعاتهم، إلى مصافّ العوالم السفلية المتحللة من كل الأخلاق.
إنه الحسد، ربما، في أشد تعبيراته تخلفاً، على ما يرى بعض العامة، وإن كان الأخطر فيه هو التضليل القائم على التمثيل الإيجابي للذات في مقابل التمثيل السلبي للآخر؛ "نحن أهل بلاد الحرمين الشريفين، نستمد منهما قداسة فوق كل نقد، وخصومنا في قطر، سيئون، بشعون، ومرتزق من يتعاطف معهم"، تقول الدعاية التي يقودها علناً وزراء ومستشارون ملكيون في السعودية، ونظراء لهم يشبهونهم خُلُقاً، في الإمارات، دونما اعتبار لما قد تؤدي إليه هذه الرعاية الرسمية للسفالة، من مفاسد اجتماعية، ما دامت تحقق هدف السيطرة على العقول، في مجتمعاتٍ يتعرّض كل من يغرّد في فضائها بكلمة خارج سرب الطاعنين بشرف الآخرين، وأعراضهم، لأشد أنواع العقوبات الجزرية.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني