تحتفل الحكومة المصرية غداً الاثنين بالذكرى الثالثة لمشروع "تفريعة" قناة السويس السابعة التي تم افتتاحها يوم 6 أغسطس/آب 2015 في احتفال عالمي حضره العديد من رؤساء الدول والحكومات.
ومع الاحتفال الثالث بالحدث، يتساءل كثيرون عن جدوى حفر التفريعة الجديدة التي تعد نموذجا صارخاً على إنفاق المال العام المحدود لدى الدولة على مشروعات قومية كبرى ومكلفة يتم تنفيذها بلا دراسات جدوى اقتصادية، ولا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد والمواطن في الوقت الحالي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تعاني فيها الموازنة العامة من عجز حاد، ويتراجع فيها الإنفاق على المشروعات الخدمية والدعم.
ولا أظن أن العاصمة الإدارية الجديدة التي تتم إقامتها حاليا بكلفة استثمارية قيمتها 45 مليار دولار (ما يزيد عن 800 مليار جنيه)، للمرحلة الأولى فقط، ستكون آخر نموذج لهذه النوعية من المشروعات التي تغرق البلاد في الديون، ولا تدر عائدا على الاقتصاد يعادل التكلفة، بل ويتم تنفيذها بقرار فردي دون العودة لخبراء ومستشارين.
في منتصف العام 2014 أطلق النظام المصري معركة كبرى اسماها "مشروع قناة السويس الجديدة" والتي تم تصويرها حينئذ على أنها قناة موازية للقناة الحالية البالغ طولها أكثر من 190 كم، وهذا الكلام ثبت عدم صحته، حيث إن طول التفريعة الجديدة كان 32 كم فقط.
وحتى يتم دفع المصريين دفعاً نحو توفير السيولة المالية للمشروع الجديد تم في العام 2014 تصوير "التفريعة" على أنها المنقذ للاقتصاد القومي من عثراته المالية، والمنقذ كذلك للجنيه المصري الذي كان يغرق أمام الدولار، ولمَ لا؟ والقناة الجديدة ستدر على خزانة البلاد إيرادات تقدر بنحو 100 مليار دولار كما زعموا وقتها، وأنها سترفع الإيرادات السنوية للقناة لأكثر من 13 مليار دولار بدلا من 5 مليارات دولار، وهو رقم سال له لعاب الجميع، كما تم منح سعر فائدة عال لأصحاب الشهادات بلغ 12% سنويا تم رفعه لأكثر من 15% في وقت لاحق لتشجيع المصريين على سحب أموالهم من البنوك و"من تحت البلاطة" والأكتتاب في شهادات القناة.
وعقب إطلاق التفريعة السابعة في مثل هذا اليوم قبل 3 سنوات انتظر المصريون "المن والسلوى" وتدفق مليارات الدولارات عليهم، إلا أنهم فوجئوا بتراجع إيرادات القناة في العام الأول من إطلاق التفريعة.
فقد حققت القناة إيرادات بلغت 5.13 مليار دولار فقط في العام الأول لافتتاح التفريعة وهو 2015 مقابل 5.4 مليار دولار في العام السابق لها 2014، وتكرر الأمر في العام الثاني 2016 حيث تراجعت الإيرادات بنسبة 3.3%.
وفي العام الثالث ساهمت المزايا والتخفيضات التي تم منحها إدارة القناة للسفن العابرة ونشاط التجارة الدولية في زيادة الإيرادات بنحو 600 مليون دولار، وهو مبلغ لا يغطي سوى الجزء اليسير من الأموال التي تم جمعها لصالح المشروع وبلغت قيمتها 64 مليار جنيه (9 مليارات دولار) بأسعار صرف عام 2014.
إذن، لم نعد نسمع عن رقم المائة مليار دولار، أو حتى الرقم المتواضع البالغ 13 مليار دولار، وبعد أن كان يتم تصوير التفريعة من قبل كبار المسؤولين في الدولة على أنها المنقذ للاقتصاد، قيل للمصريين في وقت لاحق إنها تأسست بهدف رفع روحكم المعنوية، وهذا يكفي، وعندما لم يقتنع أحد بقصة رفع الروح المعنوية قيل لهم إن التفريعة غطت تكلفتها في يومين فقط.
لا أحد يقلل من أهمية قناة السويس، فهي واحدة من أهم الممرات البحرية في العالم، ويتم عبرها نقل ما بين %8 إلى 12% من حجم التجارة الدولية، وبالنسبة لمصر واقتصادها، فإن القناة تعد خامس مورد للنقد الأجنبي بعد الصادرات وتحويلات المغتربين والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تدر على البلاد أكثر من 5 مليارات دولار سنويا، وهو رقم مهم في الوقت الحالي خاصة مع تراجع إيرادات السياحة وزيادة الديون الخارجية للبلاد، كما أن القناة مصدر قوة لمصر على المستوى الدولي.
لكن في المقابل، لا أحد يصور لنا التفريعة السابعة التي يمر على افتتاحها 3 سنوات اليوم على أنها مشروع ناجح اقتصاديا، فهي نموذج صارخ للمشروعات الكبرى التي يتم تنفيذها بقرار فردي، إذ كلفت الاقتصاد وخزانته العامة ما يزيد على 100 مليار جنيه، وفي المقابل لا أحد يصور لنا التفريعة السابعة للقناة على أنها مجرد "ترعة" لا أهمية لها، فهذا تقليل من مشروع ضخم تم انجازه في عام.