يستعيد رحيل السياسي الأميركي جون ماكين (سيناتور ولاية أريزونا) فيلمًا تلفزيونيًا يتناول المراحل السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008. المحطة التلفزيونية HBO تقتبس، عام 2012، كتاب "تغيّر اللعبة" (2010) للصحافيين السياسيين مارك هالبيرن وجون هيلمان. اقتباس يُخرجه جاي روش، ناقلاً إلى الشاشة نصًّا مكتوبًا بلغة سلسة عن حكاية مليئة بالمنعطفات والمفاجآت والتحدّيات.
لكن، بقدر ما "يوهم" الفيلم تناوله شيئًا من شخصية ماكين في لحظات سياسية حرجة، يذهب "تغيّر اللعبة" (عنوان الفيلم أيضًا) إلى ساره بايلين حاكمة ولاية ألاسكا، المختارة للترشّح إلى منصب نيابة الرئاسة في رحلة محفوفة بمخاطر وانزلاقات، فالمنافس الديمقراطي للمرشّح الجمهوري ماكين سيكون باراك أوباما، أول أسود يجتهد للدخول إلى البيت الأبيض (وهو أول رئيس أسود، يتولى إدارة الحكم في الولايات المتحدّة الأميركية 8 أعوام). والفيلم، إذْ يتابع تفاصيل عديدة في العمليات الجارية في كواليس الحملة الانتخابية، يستفيض كثيرًا في مقاربة درامية لشخصية بايلين، المرأة والأم والسياسية والحاكمة، لكن أيضًا السيّدة غير المُدركة أمورًا عديدة في الشؤون الدولية، سياسة واقتصادًا على الأقلّ، رغم أن ابنها البكر تْراك جنديٌ يخدم في العراق مرات عديدة.
يرتكز "تغيّر اللعبة" على ثنائية "تحليلية ـ نفسية" تتوزّع على شخصيتي جون ماكين (إد هاريس) وساره بايلين (جوليان مور) تحديدًا، وإنْ يهتمّ بالثانية أكثر. لكن التحليل النفسي لن يحول دون إمعانٍ سينمائيّ في تناول الفترة السابقة ليوم الانتخاب (4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008)، الذي يُدخل أوباما إلى البيت الأبيض. فترة مليئة بالتوتر والضغوط والمواجهات داخل فريق الحملة الانتخابية، الذي يترّأسه ستيف شميدت (وودي هارلسن)، أحد أبرز استراتيجيي الحملات تلك والخبير بشؤون الإعلام والتواصل المرئيّ، والعامل في حملتين انتخابيتين لجورج بوش الابن (الرئاسة الأميركية) وآرنولد شوارزينيغر (حاكمية ولاية كاليفورنيا)، والمُكلّف بالإشراف المباشر على تأهيل بايلين وجعلها تستحق منصبًا كهذا.
لن تكون مهمّة استعادة تفاصيل الحبكة الدرامية، المنتهية بهزيمة الثنائي ماكين ـ بايلين. لكن رحيل الأول (25 أغسطس/ آب 2018، قبل 4 أيام فقط على احتفاله بعيد ميلاده الـ82) دافعٌ إلى استعادة الحضور الأدائي لـ3 ممثلين يُعتبرون الأفضل والأهمّ في المشهد الهوليوودي: هاريس (1950) ومور (1960) وهارلسن (1961). فإلى جانب التشابه الكبير في الشكل بين هاريس وماكين أولاً ومور وبايلين ثانيًا، وهو مفاجئ لمور في بداية اطّلاعها على المشروع، هناك سحر التمثيل الذي يتفنّن هؤلاء الـ3 في الاشتغال عليه بتقديمهم الشخصيات، وتمكّنهم من أن يكونوا انعكاسًا لانفعالات ورغبات وهواجس وقلق تعتمل كلّها في نفوس سياسيين يواجهون "معركة مصير"، وبمواكبتهم مسارات تجمع العام بالذاتيّ، خصوصًا بالنسبة إلى ساره بايلين، التي يُظهرها الفيلم مرارًا كامرأة وأم وزوجة وسياسية، في محاولة تعريفٍ سينمائي بحالاتها النفسية.
ذلك أن الانغماس السينمائيّ لإد هاريس في هذا الدور يُزيل كلّ حاجز بين الممثل والشخصية، بدعم الأول في مقاربة الثاني، دراميًا وجماليًا وإنسانيًا، لا في تقليدها، وفي تحويل الشكل المتشابه بينهما إلى حافزٍ لابتكار نمطٍ تمثيلي يستخدم الجسد وحركاته في منح الشخصية معالمها وحالاتها. هذا مُشابه لفعلٍ تمثيلي يمارسه وودي هارلسن، "ضابط الإيقاع" (إنْ يصح وصفه بهذا) في نواة فريق مُكلَّف باستخراج الأفضل من ساره بايلين. فأداء هارلسن مُثير لمتعة المُشاهدة، في غضبه وفرحه، تمامًا كما في اتقان معنى الصداقة التي تجمعه بماكين من دون غلبتها على المُفيد والأهمّ في الحملة الانتخابية.
الارتباكات العديدة ـ التي تُعانيها ساره بايلين في حياتها الخاصّة كما في مسارها السياسي الجديد هذا ـ تُحرِّض جوليان مور على إزالة فاصل النجومية عن حرفية التمثيل. فالسياسية منهمكة بتفاصيل المسائل اليومية في ألاسكا، وتجد نفسها في حملة هادفة إلى تبوّء مركز أساسي وفاعل في بلد له حضور متين ومؤثّر في العالم، هي المرتبكة في فهم ملفاته؛ فإذا بالممثلة تُقدِّم هذا كلّه بحرفية جمالية لافتة للانتباه.
أيًا يكن، فإن "تغيّر اللعبة" إضافة نوعية لأداء يتحرّر من وطأة الشبه الشكليّ كي يمارس فعل الإغواء التمثيلي، عن فترة حسّاسة في المسار التاريخي للولايات المتحدّة الأميركية.