"تعميم الحشد الشعبي".. رؤية محايدة

28 مايو 2015
+ الخط -
دعا الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، إلى تعميم تجربة الحشد الشعبي لمواجهة ما دعاه "خطر الجماعات التكفيرية"، ووفق عقيدة نصر الله بالطبع، وبحسب ما قاله صراحة في خطاب الاحتفال بذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، فإن الجماعات التكفيرية هي كل القوى التي تقف بوجه المشروع الإيراني، والتي تستهدف نظام ولاية الفقيه.
وفي العراق، حيث انطلق هذا المسمى (الحشد الشعبي) بحركة من رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، في فترة تسليمه السلطة لخلفه حيدر العبادي، وبإيحاء من قيادة الحرس الثوري الإيراني، ومن خلال إضفاء الشرعية العقائدية عليه، ممثلة بفتوى المرجع الشيعي، علي السيستاني، فإن هذا البلد الذي بات مركز الثقل الرئيس، والرأس المركزي للمشروع الإيراني، بفضل ما تتمتع به قياداته من ولاء مطلق للمرشد الأعلى في طهران، سمحت بتغلغل أمني وثقافي وإعلامي خلال أكثر من عقد. وأصبح هذا البلد، بالإضافة إلى ذلك كله، مركز التصدير والتمويل للجماعات التي تدعم المشروع الإيراني، وتلك التي تدافع عنه وعن الأنظمة التي تؤمن به وتتحالف معه؛ فكان العراق ممراً لدعم نظام بشار الأسد وتصدير المليشيات المدافعة عنه، كما بات مركزا لتدريب العناصر الخليجية التي تهيأ لزعزعة الأمن في بلدانها (من دون استثناء)، كما انبرى للدفاع عن الحركة الحوثية واستضافة رموزها ورفض عملية (عاصفة الحزم)، بالإضافة إلى أشياء أخرى كثيرة.
لم يكن (الحشد الشعبي) في العراق الذي غطي بعباءة المرجع الشيعي السيستاني في يونيو/حزيران 2014 يمثل، في حقيقة الأمر، متطوعين راغبين بالجهاد الكفائي، بل هو عملية تبويب رسمي وشرعي لمليشيات عراقية (معظمها موال لإيران)، عملت طوال الفترة التي أعقبت احتلال العراق على قتل آلاف العراقيين وخطفهم وتهجيرهم، ولأن بوادر الغضب الشعبي العراقي وعلاماته قد بلغت، في تلك الفترة، أقصاها، بسبب جرائم هذه المليشيات، وبسبب سياسة التهميش والعزل والانتقام التي مورست ضد كل من وقف، سابقاً أو لاحقاً، بوجه المشروع الإيراني منذ انطلاقه عبر نظرية الإمام الخميني، فإن تشكيل هذا (الحشد) كان بمثابة خط صد أول عن بغداد أولاً، باعتبار أنها مركز الثقل الإيراني الرئيس في مطبخ العمليات الخاص بهذا المشروع.
سرعان ما بدأت جرائم (الحشد الشعبي) بالظهور ثم بالانتشار، ثم بالنقد من سياسيين عراقيين، أو منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، وكان ذلك في باكورة أنشطة (الحشد) العسكرية في محافظة ديالى العراقية، والتي جرت فيها عمليات تطهير عرقي، وتهجير لم يسبق له مثيل، إلا في حروب يوغسلافيا السابقة ربما، ومن بعد ديالى وآمرلي وجرف الصخر، جاءت تكريت لتدق إسفين الفصل بين قبول هذه التركيبة العجيبة من المليشيات (الحشد الشعبي) في عملية (تحرير) المدينة من عدمه، وأمام تواطؤ الحكومة العراقية مع الطلب الإيراني بجعل معركة تكريت مفصلية باتجاه التمدد الإيراني في الشمال العربي للعراق، فقد اشترك (الحشد) ثم دخل مدناً عديدة، كالدور والعلم وألبو عجيل وتكريت، فشاهد العالم عبر شاشات التلفاز فظائع انتقامية جديدة، بحق ممتلكات أهالي هذه المناطق الذين فضلوا الهروب منها على انتظار مصيرهم المحتوم على يد تلك المليشيات.
وعلى الرغم مما ثبت من جرائم وتجاوزات مارستها مليشيات (الحشد)، إلا أنه بقي قوة رئيسية ومركزية، تكاد تكون الأقوى والأكثر تحكماً بالمشهد الأمني والعسكري؛ بما تقدمه طهران والحكومة لها من دعم وإسناد مطلق على حساب باقي عناصر المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية ومكوناتها، وعلى الرغم من التحفظات الأميركية سابقا على مشاركة (الحشد) في القتال بمناطق ذات أغلبية (سنيّة)، إلا أن واشنطن عادت ووافقت على مشاركة هذه القوة في عمليات تحرير الرمادي؛ بعد أن تيقنت أنها القوة الفعلية الوحيدة على الأرض، وبذلك تساهم الإدارة الأميركية، بقصد أو من دونه، في دعم القوى المدافعة عن المشروع الإيراني في العراق، والساعية إلى فرضه أمراً واقعاً على الأرض.
من هذه المعطيات، انطلق الأمين العام لـحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في دعوته إلى تعميم تجربة (الحشد الشعبي)، فهي، من جهة، تفكك القوى الأمنية والعسكرية في الدولة، أو تهمشها إلى أدنى الدرجات، وهي كذلك الحارس العقائدي الأمين على مصالح المشروع الإيراني ونظام ولاية الفقيه، ثم إنها، في نهاية المطاف، تأتمر بإمرة المرشد الأعلى في طهران، فتكون بذلك فروعاً لحرس ثوري يمتد من إيران، وحتى آخر امتدادات النفوذ الإيراني، السري والعلني.
وبعد أن ظهر مشروع عربي قوي ذو دلالات قد تفضي إلى عرقلة تصدير الثورة الإيرانية (عاصفة الحزم)، فإن هناك دلالات تشير إلى أن هناك (حشدا) يجري العمل على تشكيله في دولة خليجية كبرى، بحجج حماية المساجد والحسينيات، وهناك (حشود) في دول خليجية أصغر، لكن تنظيماتها أكبر، ويتلقى شباب هذه التنظيمات تدريبات عسكرية واستخبارية في دول الحلف الإيراني في المنطقة، حتى يصلوا بهم إلى درجات المواجهة والتصدي تحت شعار المظلومية ثم (ثارات الـ...).
إن التهديد الذي تمثله (باطنية) التنظيمات العسكرية، في بعض الدول العربية، ومنها دول الخليج العربي، هو في حقيقة الأمر ذو دلالات خطيرة، ويستدعي التصرف الحازم والسريع، وعدم الرهان على الزمن الذي يجيد الطرف الآخر استخدامه، والصبر عليه بشكل متقن. من هنا، فإن طرح السيد نصرالله ليس من فراغ، كما أنه بالتأكيد ليس دعوة أو أمنية، هي دلالة وإشارة قوة لأتباعه وأتباع نظام ولاية الفقيه. لذلك، كان لزاما، والحرب باتت مفتوحة (بحسب وصف حسن نصرالله) أن نكون مستعدين للتصرف بحكمة، حكمة تقتضي الاحتواء الوطني أولاً، ثم اجتثاث أية بوادر لقوى تمثل أفراداً أو جماعات تسعى إلى تشكيل ما يؤمّن موطئ قدم، مهما كان حجمها، لولاية الفقيه في بلداننا العربية.

دلالات
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن