في جميع مراحل تجربته، ترك النحّات اللبناني ألفريد بصبوص (1924 – 2006) أعمالاً مستوحاة من الواقع الذي كان يعني له الأرض والاستمرارية بشكل أساسي، لكنه قدّمها بنزعة مثالية أحياناً حيث نساؤه مكتملات في كلّ شيء أو في اتكائه على بعد رمزي مستوحى من الأساطير الشرقية.
ارتبط الفنان بمناخات الريف الذي بدأ فيه النحت متأثراً بشقيقه ميشال (1921 – 1981) ثم التحق بهما شقيقهما يوسف (1926 ـ 2001)، حيث بدأ مشواره عصامياً دون أن يتعلّم الفن، ثم أقام معرضه الفردي الأول عام 1959 في "غاليري أليكو صعب" في بيروت، قبل أن يحصل على منحة للالتحاق بمحترفات "الأكاديمية الوطنية للفنون" في باريس، وهناك تلقّى دراسة متخصّصة وتعرّف على الحداثة الفنية وشارك في معرض للنحت العالمي في "متحف رودان".
"تعبير معقول" عنوان المعرض الاستعادي الذي افتتح في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في "غاليري مارك هاشم" في العاصمة اللبنانية ويتواصل حتى العشرين من الشهر الجاري، ويتضمّن مختارات من منحوتاته منذ الستينيات حتى مطلع الألفية الثالثة تُظهر استكشافه للعلاقة بين الشكل والمادة، كما تُعرَض مجموعة مختارة من الرسومات التحضيرية التي توضّح أسلوبه في التجسيم والنحت.
يلفت بيان المعرض إلى "تأثّر بصبوص بكلّ من النحات والشاعر الفرنسي جان آرب (1886 – 1966)، والفنان الروماني كونستانتين برانكوشي (1876 – 1957)، والنحات الإنكليزي هنري مور (1898 – 1986)، في إنشائه المنحوتات البرونزية والحجرية ذات الأبعاد الضخمة في كثير من الأحيان".
تتنوّع المواد التي استخدمها الفنان بين الرخام والحجر والخشب والمعدن، واختلفت المواضيع والثيمات التي عالجها كالرؤوس والأقتعة والمرأة التي تحضر بقوة في الحياة، حيث تعمل وتجلس وترقص وتتأمل جمالها، وكذلك في اختزاله أشكالاً تجريدية تمزج بين الجسد الإنساني والصخر وعناصر في الطبيعة، حيث يعتمد فيها على البساطة في التكوين متقصداً إظهار الرشاقة والخفة لتلك الكائنات المُختزلة.
بعد تقديمه في "سوثبي للفن" في لندن، انتقل المعرض إلى بيروت بالتعاون مع "مؤسّسة ألفريد بصبوص" لينتقل بعدها إلى مدن أخرى، حيث يلقي الضوء على عمل الفنان وأسلوبه الاستثنائي، محدّداً معالمه من دون إهمال الرسوم واللوحة المنحوتة وانتقاله بين التعبير والتجريد الكلي.