"ترجمان الأشواق" يعرّي الرقابة السورية

16 مايو 2018
من المسلسل (المكتب الإعلامي للإنتاج)
+ الخط -
من السينما إلى الدراما، دخل المخرج السوري محمد عبد العزيز حقل الألغام في مسلسله الأول "ترجمان الأشواق". فمخرج "المهاجران" خبِر الرقابة السورية جيداً وعرف في كل مرة كيف ينقذ فيلمه بعرض خارج سورية أو الاكتفاء بتوفره عبر الإنترنت. فهل يبصر عمله الدرامي النور وتوافق الرقابة على عرضه قبل ساعات من انطلاق الماراثون الرمضاني؟!

يعد مسلسل "ترجمان الأشواق" حكاية سينمائية طوّرت لتغدو مسلسلاً متكاملاً، لم يناقش الواقع من بوابته اللحظية بل ضمّنه السيناريست بشار عباس بنى فكرية تعود إلى اليسار، عبر صداقة ثلاثة أشخاص يلتقون في دمشق مجدداً بعد غياب عشرين عاماً. وهنا بدأت رؤية عبد العزيز في الإبحار نحو الرمزية في الشخوص والديكور وطريقة تصوير المشاهد، فاستغرق العمل جهداً مضاعفاً استدعى خروجه من رمضان الفائت، واستمرار عمليات المونتاج ثلاثة أشهر إضافية جرى عبرها تنازل المخرج عن جزء من أجره. فضلاً عن اجتماع عباس النوري وغسان مسعود وفايز قزق في بطولة مسلسل واحد.

الرقابة السورية بدورها تقوم على مسارين منفصلين نظرياً، الأول هو إجازة النص الدرامي قبل التنفيذ، وهنا عرض العمل قبل عامين على اللجنة الموكلة بالقراءة داخل مؤسسة الإنتاج التلفزيوني المنتجة للعمل، وجرت الموافقة عليه بشكل كامل دون المطالبة بأي تعديل. إلا أن الزوبعة أثيرت بعد عام من انتهاء التصوير، حيث قررت الرقابة الثانية المتمثلة بلجنة المشاهدة في التلفزيون السوري منع المسلسل من العرض خلال الموسم الرمضاني، في حين تسربت معلومات تفيد باشتراط الرقابة حذف ثماني حلقات من المسلسل لتسمح بعرضه، وهي الحلقات المتعلقة بالفنان غسان مسعود، الصديق الذي يتجه نحو التصوف، قبل أن يقيم علاقات مع جهات إسلامية في سورية ويدخل بعدها في موضوع "المصالحات" المحلية.


وما أن صدر قرار المنع، حتى تحولت صفحات الفيسبوك في سورية إلى ساحة لذم الرقابة، والمطالبة بعرض المسلسل تحت وسم #لا_لمنع _ترجمان الأشواق. كاتب المسلسل بشار عباس دوّن على صفحته الشخصية: "إشكاليّة الرّقابة على الدّراما في البلاد، والتي تطلع بأزاهير شر من هذا النّوع في كلّ موسم، مثلما يفعلون الآن عبر هذا القرار الذي ينتمي لمسرح العبث واللامعقول، قد تكون فرصة لمناقشة مسألة الرّقابة. تخيّلوا! عشرات العمّال والموظّفين والفنيين ممن اشتغلوا في المسلسل هُم الآن أمام تهديد وظيفي مهني".

كما تصدرت المشهد الكاتبة عنود الخالد، زوجة الممثل السوري عباس النوري بطل العمل، عبر رسالة وجهتها للرئيس بشار الأسد طالبته بالتدخل لعرض المنتج الدرامي، واصفة قرار المنع بكم الأفواه و"التشكيك" بوطنية العاملين فيه، قبل أن تعود، صباح اليوم، لتشير إلى أن مؤسسة الإنتاج لا علاقة لها بمنع العمل من العرض، ومسؤولية القرار تعود كاملة إلى لجنة العرض في هيئة الإذاعة والتلفزيون.

أما المخرج محمد عبد العزيز فيرفض عرض العمل منقوصاً، بعد الجهد الكبير الذي قدمه، خاصة أنه يعمل على المشروع من لحظة الصفر وعانى سابقاً مع الرقابة السورية حتى سمح لفيلمه "حرائق" بالعرض داخل دمشق، بعد عام من فوزه بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي. وحتى يصدر قرار الرقابة السورية الذي قد يستغرق أياماً، يظل المسلسل مثار جدل حول سبب المنع الحقيقي رغم إجازة الرقابة الحكومية له نصاً. أم أن قضية العرض غدت في نطاق تصفية الحسابات بين مدراء هيئة الإذاعة والتلفزيون السورية، وتحولت بذلك الرقابة من مدقق لصلاحية العمل إلى ملعب صفقات يكسب من خلالها الأكثر تلوناً؟

وإذا ما صح تحول قصة المنع إلى "فوق رقابية"، على حد تعبير صناع العمل، وانتظار البت من قبل لجنة ثانية تتابع العمل حالياً، يظل تصريح مدير الإذاعة والتلفزيون زياد الريس هو الأكثر انفصالاً عن الواقع، حين أكد عم منع العمل وتعذر عرضه لأن لجنة الرقابة لم تشاهد المسلسل حتى اليوم.

قالها الحلاج في قصيدته الشهيرة "إذا هجرتَ": "أحبكَ البعضُ مني، وقد ذهبتَ بكلّي"، وهي كلمات شارة ترجمان الأشواق التي لحنها خالد رزق. فهل استعصت ترجمة الحكاية على الرقابة السورية التي ما زالت تعيش الرعب من مفردة كالتصوف، فكيف من عمل ينأى كله نحو اليسار؟!

 

دلالات
المساهمون