تقف تحرير محمد في أحد محلات بيع الذهب في مدينة نابلس، وتسأل عن أسعار المعدن الأصفر، بعدما أحضرت معها كل ما تملك. هي تؤمن بأنّ شراءها اليوم سيعود عليها بالربح الوفير مستقبلاً، عندما ترتفع الأسعار مجدداً.
تقول محمد لـ"العربي الجديد" إنّ جاراتها أقنعنها بأهمية الاستثمار في الذهب واستغلال انخفاض الأسعار حالياً.
وبعد جدال مع البائع، تشتري السيدة الأربعينية ذهباً بمبلغ يقارب ثلاثة آلاف دولار، ستبيعه للصائغ نفسه لاحقاً. وتؤكد أنّ المبلغ هو ما جمعته مع زوجها في السنوات الماضية، وكانت تدخره لتعليم ابنها في الجامعة.
هذا ويلجأ كثير من الفلسطينيين إلى تغيير عاداتهم الاستهلاكية، وتقليص النفقات، حتى بالنسبة لحاجيات أساسية، بهدف توفير الأموال لشراء الذهب وادخاره لفترة من الزمن، ومن ثم بيعه مجددا في حال ارتفعت الأسعار.
ويؤكد المواطن مصطفى عوض أنّه يقلص نفقات بيته. ويحاول ادخار أي مبلغ لشراء الذهب. ويقول: "جرام الذهب عيار 24 كان يباع بأكثر من 50 دولاراً سابقاً، واليوم انخفض سعره إلى 38 دولاراً وربما أقل أحياناً. هذا أمر مشجع لشراء الذهب، فهو بالتأكيد سيعاود الارتفاع قريباً، وسنبيع ما اشتريناه ونحقق ربحاً جيداً".
ويشير عوض إلى استغنائه، بالاتفاق مع زوجته، عن بعض الحاجيات. فقد كان يخطط لتجديد الأدوات الكهربائية في منزله واستبدال الثلاجة والغسالة، لكنه تراجع عن قراره وطلب من زوجته استخدام المتاح الآن، رغم اضطراره إلى تصليحهما في كثير من الأحيان. كذلك، يعمد إلى تقليص المصروف اليومي لأبنائه، ويطلب منهم المساهمة في الادخار وشراء الذهب، ويعدهم بأحوال أفضل في المستقبل القريب.
من جهته، يؤكد مصدر في وزارة الاقتصاد الفلسطينية لـ"العربي الجديد" أنّ نسبة الإقبال على شراء الذهب ارتفعت في فلسطين، وازدات عمليات طلب دمغ الذهب من قبل التجار. ومن المعروف أنّ التجار ممنوعون من عرض أي قطعة ذهبية من دون دمغها من قبل وزارة الاقتصاد الوطني. ويعتبر مؤشر ازدياد الطلب على الدمغ دليلا على ازدياد المبيعات وإقبال المواطنين على شراء الذهب.
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ عمليات الدمغ التي تُطلب من وزارة الاقتصاد الوطني في فصل الشتاء تنخفض عادة. إلا أنّ هذا العام كان استثنائياً.
صعود مؤقت
بدوره، يشجع المحلل الاقتصادي، نافذ أبوبكر، الفلسطينيين على ادخار الذهب. ويؤكد أنّ المعدن سيعاود الارتفاع لاحقاً. ويقول لـ"العربي الجديد": "شخصياً، لو كان معي مليون دولار لاشتريت بها ذهباً، لأنني متأكد من ارتفاع سعره قريبا".
ويرى أبوبكر أنّ "كلفة استخراج الذهب حالياً هي أعلى من السعر الذي يعرض فيه للبيع. وهو ما يؤكد أنّ الارتفاع آتٍ. فمن غير الممكن أن تواصل الدول المنتجة للذهب استخراج المعدن الأصفر وبيعه بأقل من كلفة استخراجه، ومع الوقت ستقلص تلك الدول عمليات الاستخراج. ومع استمرار زيادة الطلب سيرتفع سعره حتماً".
كما يعتقد أبوبكر أنّ عوامل عدة تقف الآن وراء "الانخفاض المؤقت لأسعار الذهب، منها تحسن الاقتصاد الأميركي والخروج من أزمة عام 2008 بشكل جزئي، وكذلك تحسن أسواق الأسهم والبورصات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الدولار وانخفاض الذهب، وتزامن ذلك مع تباطؤ في الاقتصادات الأوروبية وغيرها، ووجود أزمات مالية في عدة دول، مثل اليونان التي تلجأ إلى عرض ذهبها للبيع لتأمين احتياجات أساسية أخرى".
ومن اللافت، وفقاً لروايات أصحاب محلات بيع الذهب، أنّ الطبقات الفقيرة والمتوسطة هي الأكثر إقبالاً على شراء الذهب في هذه الأيام، كونها العائلات التي تحتاج إلى تأمين مستقبلها بأي طريقة، بينما لا يقبل الأثرياء على الشراء.
لكنّ بعض التجار يشككون في صحة الأنباء عن ارتفاع نسبة الإقبال على شراء الذهب وادخاره. ويقول التاجر عدنان يعيش إنّ الأوضاع الاقتصادية للمواطن الفلسطيني سيئة للغاية. ويضيف: "مهما كان هبوط أسعار الذهب لن يتوجه المواطن إلى شرائه، لما يعانيه من أوضاع اقتصادية صعبة، وانعدام للسيولة المالية في يده. أما الإقبال فهو فقط للأمور الأساسية مثل الأعراس وحفلات الخطوبة وغيرها من المناسبات الملزمة، وليس الشراء من أجل الادخار".
كما يؤكد التاجر نافذ العينبوسي أنّ تجار الذهب يريدون فقط استغلال الأسعار الحالية، وشراء أكبر كميات ممكنة.
ورغم اختلاف الروايات، ما زال المواطن الفلسطيني يبحث عن فرصة تحسن من وضعه الاقتصادي، مهما بدّل من عاداته اليومية.