تذهب معظم المؤسسات الثقافية في العالم العربي إلى تقديم عروض موسيقية واستعراضية وحكواتية طوال رمضان الذي تغيب عنه الفعاليات الفكرية أو القراءات النقدية أو إشهارات الكتب، في تكريس لممارسات فولكلورية تعود إلى العهد العثماني، تربط بين إفطار الصائم وثقافة الترفيه وتغيّب أية أنشطة تتسم بالجدية والعمق.
في هذا السياق، تنظّم معظم الفضاءات في مصر برامج خاصة بشهر الصوم وكأنها مستنسخة عن بعضها، ومنها أمسية "بردة البوصيري" التي تُقدّمها "فرقة تحابيش للفنون الأدائية" عند التاسعة من مساء غدٍ الأربعاء في "الحديقة الثقافية" في حي السيدة زينب القاهري، بتنظيم من "المركز الثقافي لثقافة الطفل".
تتكوّن الفرقة من مجموعة من المؤدين هم: مصطفى يوسف، وسامح رخا، ورنا المحمدي، وعاصم علاء، ومحمد سعد، وعمرو جلال، يقودهم المخرج محمد حمدان، ويتضمّن العرض قراءة مقتطفات من القصيدة التي كتبها محمد بن سعيد البوصيري (1211 – 1295) وتشكّل أهم نصوص المدوّنة الصوفية، إلى جانب لوحات راقصة وأناشيد.
ترتبط القصيدة برواية تذكرها المصادر التاريخية حول إصابة البوصيري بمرض الفالج حيث شلّت نصف أعضائه، فقام بتأليف القصيدة ليستشفع بها إلى الله في أن يعافيه وبعد أن أنشدها نام فرأى النبي محمد في المنام يمسح على وجهه ويلقي عليها بُردة والتي تسمّت القصيدة بها، وغدت الحادثة جزءاً من سردية متكاملة حولها، حيث شرحها عشرات المتصوّفة في مؤلفات عدّة، وعارضها عدد من الشعراء منهم أحمد شوقي.
تضمّ البردة مئة وستين بيتاً وتنقسم إلى عشرة فصول تلتزم بترتيبها معظم الفرق التي تؤديها مع اختلاف الأبيات المختارة من كلّ فصل، وهي: في الغزل وشكوى الغرام، وفي التحذير من هوى النفس، وفي مدح سيد المرسلين، وفي مدح مولده، وفي معجزاته، وفي شرف القرآن ومدحه، وفي إسرائه ومعراجه، وفي جهاد النبي، وفي التوسل بالنبي، وفي المناجاة وعرض الحاجات.
يقول البوصيري في مفتتح القصيدة: أمن تذكر جيران بذي سلم/ مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم/ أم هبت الريح من تلقاء كاظمة/ وأومض البرق في الظلماء من إضم/ فما لعينيك إن قلت اكففا همتا/ وما لقلبك إن قلت استفق يهم/ فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها/ إن الطعام يقوي شهوة النهم.