بعد أن تحوّلت في مرحلة أولى من سلسلة محاضرات إلى سلسلة كتب، ها هي مجموعة "تاريخ مضاد للفلسفة" للمفكّر الفرنسي ميشيل أونفري تأخذ شكل كتاب الجيب. مع طرح جزأين جديدين مؤخراً، هما العاشر "الفكر ما بعد النازي"، والحادي عشر "فكر 68 الآخر"، تكون كتب الجيب قد لحقت بكل ما نشره المفكر الفرنسي ضمن "تاريخ مضاد للفلسفة".
لهذا الانتقال دلالات كثيرة، بدءاً بالرهان على شعبية أونفري حيث أن مرور كتاب إلى صيغة الجيب يعني طبع عدد كبير من نسخه، وبالتالي التخفيض في سعره (من 20 إلى 8 يورو) ما يعني أنه بات متاحاً لجمهور أوسع.
لكن إذا كان الرهان التجاري على أونفري طبيعياً للغاية مع كاتب له حضور إعلامي كبير، فإن الرهان على مشروع فكري بهذه الضخامة يُعدّ نادر الحدوث، خصوصاً لدى سلاسل كتب الجيب التي تراهن عادةً على الروايات والكلاسيكيات.
بدأ مشروع أونفري في وضع "تاريخ مضاد للفلسفة" في 2003 حين أطلق الفكرة ضمن "الجامعة الشعبية في كون"، ويمكن القول إن هذا المشروع يمثّل العمود الفقري للجامعة التي أسّسها عام 2002، حيث قدّم في كل مرّة دورة من مجموعة محاضرات حول لحظة ما من تاريخ الفلسفة، كان أوّلها "أرخبيل ما قبل المسيحية"، وهذه المحاضرات صدرت أولاً في أقراص مضغوطة ثم تحوّلت إلى كتاب في 2006 لكن بعنوان "أشكال من الحكمة القديمة"، وهو عمل يُعدّ إلى اليوم أحد أشهر وأنجح أعمال ميشيل أونفري.
ورغم أن الكتاب الثاني "المسيحية الهيدونية" لم يلق رواجاً، فإن رهان الناشر (غراسيه) لم يفتر، فقد كان يجد صدى إيجابياً لفكرة "تاريخ مضاد للفلسفة" بغض النظر عن المضامين التي يحتويها، خصوصاً أن أونفري اتخذ طريقة خاصة تجمع بين القراءة في نصوص الفلاسفة والتعمّق في مسارات حياتهم.
يُذكر أن المحاضرات توقّفت منذ 2015 دون أن يعلن أونفري أن "تاريخ مضاد للفلسفة" قد انتهى، وهنا يُشار إلى أن هناك فارق كتاب وحيد بين المحاضرات والكتب المنشورة (بالحجم العادي وبصيغة الجيب) وهو "مقاومة العدمية".