"بيبي" المتمرّدة: الطفلة السويدية التي أرّقت أوروبا وأسعدتها

28 مايو 2015
غلاف الكتاب الأول (Getty)
+ الخط -
كما في السويد، يحتفل العالم العربي بجنان، وهو الاسم الذي اختارته "دار المنى" للبيبي السويدية، حين ترجمت كتابها الأوّل، وهي ترجمة واحدة بين أكثر من 90 ترجمة أخرى، علماً أنّ أكثر من مئة مليون نسخة من قصص بيبي، المتوزعة على 12 جزءاً، قد بيعت حول العالم. وقد اشتركت الدار السويدية الأردنية مع سفارات السويد في أكثر من بلد عربي احتفاء بأحد أشهر كتب أدب الأطفال السويدي والأوروبي.

وستتابع السويد طوال الصيف الاحتفال، مركّزة على ترويج سياحي لهذه الشخصية الشهيرة أوروبياً، ولفعاليات الاحتفال بها، خصوصاً على مسرح حديقة أستريد ليندغرين (بني عام 1981) الذي يزوره سنوياً 490 ألف زائر، 30 بالمئة منهم غير سويديين.
وفي الدنمارك، أكثر الدول المتحمّسة لبيبي، تقام عروض مسرحية وأدبية بالمناسبة، أبرزها في "تيفولي كوبنهاغن"، أحد أكبر مرافق العاصمة الفنية. كذلك في ألمانيا، حيث كرّمت الحكومة بيبي بطابع بريد لصورتها.

ولكن، ما الذي يجعل "بيبي" مميزة هكذا، تحديداً في أوروبا؟
عام 1945 أرادت ليندغرين (1907 - 2002) أن تقدّم شيئاً مختلفاً للأطفال وصادماً للأهل! ورغم صعوبة إيجاد ناشر يقبل فكرتها، الا أنها ثابرت حتى نجحت، فولدت الطفلة بيبي، ذات ضفيرتين حمراوين، مرفوعتين لأعلى، وجوربين غير متطابقين، لتعبر عن "الطفلة القويّة" غير الملتزمة بالقوانين الأسرية، والإتيكيت وحتى النظام المدرسي.
عاشت بيبي وحيدة في فيلا كبيرة، فكانت تنام واضعة قدميها على المخدّة، وتنسى أن تقول للمدرّسة "آنسة"، بل هي لم تقصد المدرسة إلا للحصول على إجازة الميلاد، وتستخدم مرقاق العجين على الأرض...


بيبي يتيمة، لم تعرف والديها، ولم تتعلّم آداب التصرف، لكنّها تملك خيالاً واسعاً (يرمز للموهبة الفطرية) وهو يملي عليها الانطلاق وعدم تنفيذ أوامر الكبار المملّة، ما يجسّد التمرّد على التربية التقليدية الصارمة. وقد عانت بيبي الوحيدة من مجتمعها، إذ أراد تسليمها لدار الأيتام، الاسم الذي يعني في اللغة السويدية "بيت الأطفال"، لذا حين حضر شرطيان لاصطحابها راحت تجادلهما ببراءة: "أنا طفلة، وهذا بيتي، إذا هذا بيت الأطفال"، وبذلك تخلصت من الشرطيين. وكانت نقطة الانعطاف في حياة بيبي حين شب حريق في مجمع سكني، تمكّنت بيبي القوية من إنقاذ 3 أولاد حاصرتهم النيران ولم يستطع رجال الإنقاذ إنقاذهم. تدخلت بيبي (القوية) وأنقذتهم، وبدأ الناس يحيونها على شجاعتها ويظهرون احترامهم لها.

كذلك تقبلت المجتمعات الأوروبية بعد جدال اختلاف بيبي ورؤية ليندغرين للحياة والتربية، فقد عرف زمن صدور الكتاب (عقب الحرب العالمية 2) نقاشاً اجتماعياً وتربوياً في المجتمعات الإسكندنافية حول الطفل وتصرّفاته وصورته التي أرادها الكبار عموماً. بل إن المرأة كانت مركز ذلك النقاش، فقد كان على الفتاة حينها أن تكون في قالب معيّن. وقد أجّجت ليندغرين النقاش حين قدّمت بيبي، التي لم تعبّر عن قوّة الطفل وحرّيته فحسب، بل عن قوّة المرأة التي أرادتها الحركة النسوية حينها أكثر استقلالاً واعتماداً على ذاتها، لا ملحقة بالذكر وما يقرّره لها. وقد تلقف علماء النفس والتربية والاجتماع قصص بيبي في أبحاثهم حول سلوكيات الأطفال، تحديداً "حرّيتهم".

أشياء تعلمها الإسكندنافيون من ليندغرين
المختصون في أدب الأطفال في السويد والدنمارك يجمعون على أن أستريد ليندغرين قدّمت لهم ولأطفالهم رؤى جديدة، منها أنّ الإناث يمكن أن يكنّ في مستوى ذكاء الذكور وأنّ القوّة الجسمانية ليست حكراً على الأولاد الذكور فقط، وأنه ينبغي للمرء مساعدة من هم أضعف منه، وأن يساعد الأطفال بعضهم البعض، وأنّ الأخوّة لا تقدر بثمن والحب يهزم دائماً الكراهية، وأن الحبّ أكثر أهمية من المال، كما في قصة "راسموس والصعلوك" كمثال.

وعلى الرغم من أنّ القوميين المتشدّدين أرادوا اعتبار ليندغرين عنصريةً مثلهم، إلا أنها كانت تمقت التطرف القومي منذ شبابها، وقد كشفت الصحافة عن رسائلها التي تثبت هذا، وهي لا تزال ملك أسرتها حتى اليوم. وحين وجّهوا لها اللوم على شخصية "ملك الزنوج" في القصّة، وحاولت نفي أي مقصد عنصري، إلا أنّ هذا لم يحطّ من قدر عملها، وقد جرت محاولات لشطب التعبير، قادتها حركة سويدية قبل سنوات، بذريعة التماشي مع لغة العصر وواقع البشرية اليوم ولغتها.

امتعاض فرنسي
لم يكن كل الأوروبيين معجبين بالطفلة بيبي، ومنهم الفرنسيون الذين أعملوا مقصّ الرقيب في قصصها منذ 1951 وحتى 1995، فقد رأى هؤلاء أنّ بيبي تعبّر عن الفوضى والاستفزاز، وتعلّم الأطفال أشياء كاذبة، مثل رفع الحصان بيدين اثنتين، وساقوا أمثلة أخرى في رفضهم لقصص بيبي وأيضاً مسلسلها وأفلامها.

ويجدر الذكر هنا أنّ عام 1969 شهد بثّ الحلقات التلفزيونية الأولى من مسلسل "ها هي بيبي قادمة"، فاتحاً شهيّة الإنتاج الفنّي والقنوات التلفزيونية على اقتباس هذه الشخصية والذي استمر إلى اليوم.

في السنوات الأخيرة، 2013-2014 أجرت السويد مراجعات تربوية عديدة، ومنها على الحلقات التلفزيونية، تلك المتعلقة بالإشارة إلى "ملك الزنوج" وتدخل "الرقيب الأخلاقي" ليشطب من الأفلام والقصص والمعارض أية إشارة يساء فهمها على أنها تعبير عنصري أو تمييزي.

إلا أنّ جيران السويد من الدنماركيين، الذين يعتبرون أشدّ اهتماماً بكل ما يتعلّق بيبي، رفضوا ما أطلق عليه "التصحيح الثقافي" في قصص بيبي وغيرها، مقحمين أنفسهم في جدل كبير مع أهل بيبي الأصليين في السويد باسم "حرية التعبير".

الحركة النسوية الدنماركية اتخذت "بيبي ذات الجورب الطويل" رمزا لنضال حقوقي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ضمن حركة واسعة سمّيت "حركة الجوارب الحمراء".
وتبنى الدنماركيون الدفاع عن ثورية بيبي في أدب الأطفال، ونشر معاداة السلطوية بين أجيال متعاقبة ظلت تناقش بنية مجتمعاتها والانتهاء من الاستبداد الأسري والذكوري.

إقرأ أيضاً: علًّمْ ابنك كيف يفكر؟
المساهمون