"بوكو حرام" الخارجة عن التاريخ: جنون تُغذّيه خطايا الحكومة

17 مايو 2014
فساد الدولة وراء تعاظم نفوذ الجماعة (الفرنسية/Getty)
+ الخط -
عادت جماعة "أهل السُّنـَّة للدعوة والجهاد" النيجيرية المتشددة، والمعروفة باسم "بوكو حرام"، إلى صدارة المشهد في الأوساط النيجيرية والدولية، بعد إقدامها على خطف أكثر من مئتي تلميذة من مدرستهن في نيجيريا، وتهديد زعيم الجماعة بـ"بيعهنّ" سبايا.

وبدأ زعماء الغرب ومشاهيره يتسابقون إلى استنكار هذه الجريمة. وتعاطف العالم مع المختطفات، وعرضت بعضُ الدول الغربية وإسرائيل المساعدة في البحث عنهنّ. وكان لظهور السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما وبعض المشاهير، وهم يحملون ورقة كُتب عليها "أرجعوا لنا فتياتنا"، في حملات أطلقوها من مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، الأثر البارز في استقطاب انتباه العالم لهذه الجريمة المأسوية.

يأتي ذلك في ظل صمت الدول العربية والإسلامية، باستثناء بعض الاستنكارات من منظمات دينية، مثل "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي طالب الجماعة "بالعودة الى أحكام الشريعة الإسلامية الصحيحة"، وتنديد من شيخ الازهر، أحمد الطيب، وانتقادات خجولة من عدد قليل من رجال الدين.

الهدف المعلن وراء خطف الفتيات، والذي أتى على لسان زعيم الحركة، أبو بكر شيكاو، هو تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا، على الرغم من أن نحو نصف سكان نيجيريا يدينون بالمسيحية.

وفي شريط الفيديو الأول الذي أعقب عملية الخطف، أعطى زعيم الجماعة لعملية الخطف غطاءً أيديولوجياً، إذ برّرها بأن تعليم الفتيات كان خروجاً على الشريعة الاسلامية، وكان يجب تزويجهنّ بدل ذلك. لكن، في شريط الفيديو الثاني، طالب شيكاو بإطلاق سراح عدد من أعضاء جماعته المعتقلين في السجون الحكومية، مما أعطى انطباعاً بأن الهدف من وراء عملية خطف الفتيات كان سياسيّاً.

وأسفرت المواجهات بين "بوكو حرام" والحكومة النيجيرية عن مقتل أكثر من ستة آلاف شخص، وتهجير نحو 40 ألفاً آخرين الى الدول المجاورة. ولا تزال أهداف هذه الجماعة وارتباطاتها غير واضحة.

تحوّلت "بوكو حرام" من مجموعة صغيرة، تدعو الى تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا، إلى جماعة سرية أكثر تطرفاً ودموية بعد ملاحقات وإعدامات طاولت أعضاءها من قبل الحكومة النيجيرية، خصوصاً بعدما أعدمت السلطات النيجيرية زعيمها السابق، محمد يوسف، في 2010 من دون محاكمة.

وبدأت الجماعة تتوغل في العنف والإرهاب، مما دفع بعض حلفائها من الجماعات الإسلامية المتشددة، مثل "أنصار الإسلام"، إلى أن تنأى بنفسها عن المجازر العشوائية التي ترتكبها. وباتت هذه الجماعة تصنَّف على أنها ثاني أكبر تنظيم إرهابي، بعد تنظيمي القاعدة وطالبان.

ويعزو البعض تصعيد الجماعة عملياتها الى استحواذها على الأسلحة المهرَّبة من ليبيا، عقب إطاحة الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي. وكان لانتشار أسلحة النظام الليبي السابق بين الدول المجاورة، مثل تشاد ومالي والكاميرون، عبر الحدود المسامية التي تفصلها عنها، الأثر الكبير في تعاظم قوة هذه الجماعة.

وكان الدعم الذي تلقّته، وغضّ الطرف عن نشاطاتها من قبل مسؤوليين نيجيريين في عهد زعيمها السابق، محمد يوسف، قبل أن تشكل "بوكو حرام" تهديداً لهؤلاء المسؤولين، قد أديا الى انتشارها وتعاظم نفوذها في شمالي نيجيريا.

يُذكر أن يوسف كان قد استـُجْوب واعُتقل مرات عدة، ولكن أُطلقَ سراحه بعدما تدخّل مسؤولين حكوميّين في ذلك الصدد. كما أنّ ضعفَ الأجهزة الاستخبارية والأمنية النيجيرية، وهشاشة مؤسساتها الأخرى وتفشـّي الفساد فيها، كانت من أهمّ عوامل نجاح "بوكو حرام" في تنفيذ عمليات إرهابية "نوعية".

وقد دفع تفشي الفساد وسوء الإدارة في مؤسسات الدولة إلى اتهام تلك الإدارة بالتواطؤ مع "بوكو حرام"، وبأنها كانت على علم مسبَق بتخطيط الجماعة للقيام بعملية خطف التلميذات.

ومما زاد في تطرّف هذه الجماعة، أن أبو بكر شيكاو، الذي يُقال إنه رمز للتطرف الشديد والوحشية، أصبح زعيمها، عقب إعدام مسؤولها السابق.

تهديد باغتيال تاتشر ويوحنا بولس الثاني

وقد كثفت الجماعة تحت زعامته، هجماتها، وباتت تستهدف أفراد الأمن، بالإضافة الى المدنيين من مختلف الطوائف. واستطاع شيكاو كذلك أن يستقطب انتباه العالم، بسبب أسلوبه في التهكم وإطلاقه تهديدات لا يلبث أن ينفذها لاحقاً. بَيْدَ أن تهديداته بقتل مشاهير رحلوا عن عالمنا منذ مدة، مثل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، والبابا يوحنا بولس الثاني، تكشف عن أنه غير مطلع على ما يحدث في العالم من حوله، أو أنه غير متّزن.

ومن غير المؤكد ما إذا كانت لهذه الجماعة صلة بتنظيم القاعدة، وإن كان البعض يرجح ذلك لتشابه العمليات الإرهابية النوعية التي ينفذانها، وخصوصاً هجمات "بوكو حرام" على مقار الأمم المتحدة في نيجيريا. ولم يُبدِ تنظيم القاعدة أيّ رد فعل علني تجاه خطف الفتيات، وآثر السكوت، مما عزز الاعتقاد بوجود تلك العلاقة.

في الوقت نفسه، ساهم قيام بريطانيا والولايات المتحدة بإدراج تلك الجماعة على لائحة المنظمات الإرهابية في العالم، في يوليو/تموز الماضي، في تعاظم قوتها حيث ردّت على ذلك بتكثيف عملياتها.