"بلاك ميرور".. التكنولوجيا بوصفها عقاراً

18 نوفمبر 2016
(لقطة من المسلسل)
+ الخط -

"إذا كانت التكنولوجيا عقارًا، وهي إلى حد ما كذلك، إذًا بلاك ميرور يتحدث عن الأعراض الجانبية". هكذا يصف مؤلف المسلسل البريطاني Black Mirror عمله، الذي يتناول في كل حلقة رؤية مستقلة للمستقبل؛ حيث تسود التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي، وتتحكم بسلوك البشرية ككل، في إطار سوداوي.

عُرض من المسلسل موسمان في بريطانيا كل منهما ثلاث حلقات عامي 2011 و2013، إضافة إلى حلقة خاصة بعيد الميلاد عام 2014. طرحت شبكة "نيتفلكس" في شهر أكتوبر هذا العام موسمًا ثالثًا للعمل بعد شراء حقوقه مؤلفًا من ست حلقات. الآن، يجري العمل على موسم رابع سيكون جاهزًا للعرض عام 2017.

يبتعد العمل عن تحديد فترة زمنية تجري بها أحداث الحلقات، وتتفرد كل حلقة بعالمها المستقبلي الخاص، من حيث الفكرة والشخصيات، وكذلك طاقم عملها من إخراج وتصميم للمؤثرات وحتى الموسيقى التصويرية؛ ما زاد من تنوع حلقات المسلسل، لكن يجمع بينها تطرّف الطرح والنهاية السوداوية.

تناول المسلسل أثر وسائل الإعلام في ثلاث حلقات مختلفة. في الحلقة الأولى من الموسم الأول، ينتشر فيديو لأميرة إنكليزية مخطوفة على الإنترنت، يطالب خاطفُها رئيسَ الحكومة بممارسة الجنس مع خنزير في عرض مباشر على كل وسائل الإعلام خلال مدة لا تتجاوز ساعات، مقابل إطلاق سراح الأميرة، من دون مقدرة الحكومة على تحديد مكان الخاطف أو إيقاف الضغوط الإعلامية، وعدم جدوى التحذيرات بعدم مشاهدة الحدث.

يفترض العمل في حلقته الثانية عالمًا مستقبليًا، يمضي الفرد وقته في الركض على أجهزة رياضية بهدف توليد الكهرباء، ويكسب مقابل ذلك أموالًا افتراضية، يشتري بها ميزات لمعرّفه على شبكات التواصل الاجتماعي، وبدائل للطعام الحقيقي الذي اختفى. يسكن الفرد في غرفة جدرانها وسقفها عبارة عن شاشات، تستمر بالبث بشكل مستمر، والطريق الوحيدة للتخلص من هذه الحياة هي أن تصبح مشهورًا.

تتحدث الحلقة الختامية من الموسم الثاني عن شخصية كرتونية ساخرة، يؤديها كوميديان ثلاثيني فاشل، يقحمها المنتجون في حملة انتخابية، وذاع صيت هذه الحلقة قبيل فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية.

يفرد العمل مساحة واسعة للعلاقات البشرية، ودور التقنيات المتقدمة في خلخلتها. في الحلقة الختامية للموسم الأول، يزرع البشر أجهزة ذاكرة، تتيح لهم تذكر كل شيء، ومحو ما يريدونه من ذاكرتهم. كما يمكنهم مشاركة ذكرياتهم مع الآخرين عبر اقتران الجهاز بالشاشات. تعرض الحلقة الجانب السيئ من هذه التقنية من خلال قصة زوج تنتابه الشكوك بزوجته.

في افتتاحية الموسم الثالث، جميع العلاقات البشرية تستند إلى التقييم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهناك مدن خاصة بحسب كل تقييم، وخدمات خاصة لكل فئة؟ وأي احتكاك بين الأشخاص ينتهي بتبادلهم التقييم بين 1-5. تتحدث الحلقة عن فتاة ذات تقييم منخفض تدعوها صديقتها ذات الشعبية الكبيرة إلى زفافها لتكون وصيفة لها وما تصادفه الفتاة خلال رحلتها.

في الحلقة الختامية للموسم الأخير، يقوم شخص مجهول بإطلاق وسم (هاشتاغ) لـ "الموت"، داعيًا المسجلين في الموقع لذكر من يكرهونهم. وفي كل يوم يقتل الشخص الذي حصل على أغلبية المصوتين. تطرح الحلقة تساؤلًا عن دور المشاركين في الوسم كمجرمين يستحقون العقاب.

استعرض العمل ثيمة "العقاب والجريمة" في أغلب حلقاته وخص لها حلقتين، تتحدث الأولى عن مستقبل يصبح عقاب المجرمين في حدائق الألعاب، بعد محو ذاكرتهم، ويكتفي الزوّار بتصوير المجرم بكاميراتهم وهواتفهم المحمولة. والحلقة الأخرى تدور عن شخص يقوم بتسجيل الممارسات "الشاذة" لبعض الأشخاص على الإنترنت ويهددهم بفضحهم أو تنفيذ أوامره التي تشمل السرقة والقتل.

ناقش المسلسل فكرة الموت في حلقتين أيضًا؛ الأولى: تجرب أرملة نظامًا تجريبيًا يجمع محتوى صفحات التواصل الاجتماعي للمتوفى وسجل إعجاباته، وتسجيلاته الصوتية والمرئية الموجودة على الشبكة، بحيث تستطيع التواصل معه عبر الإيميل، ثم الصوت ثم على شكل روبوت مخزنًا عليه وعي الميت.

في الحلقة الرابعة من الموسم الثالث، يتم تخزين وعي المرضى وكبار السن بشكل رقمي، وتدخل بياناتهم في برنامج تجريبي يحاكي حقبة زمنية كالتسعينيات، أو السبعينيات، يتفاعلون خلالها مع بعضهم، ويقررون بعد عدة تجارب إن كانوا يريدون بقاء وعيهم في المحاكي بعد موتهم إلى الأبد.

يحافظ العمل على مستوى جيد في حلقاته، من ناحية الحبكة المقدمة والأسلوب الإخراجي، ويبتعد عن تقديم صفات العالم المتخيل بشكل تقريري. يترك المشاهد ليدرك هذا الواقع عبر الحوارات والأحداث دون تمهيد، مقدمًا أسئلة محيرة تمس الواقع الذي نعيشه اليوم.

يبدو أن هذا النوع من الأعمال عائد بقوة إلى الواجهة، خصوصًا مع تجديد مسلسل WestWorld من إنتاج HBO الذي يقوم بكتابته جوناثان نولان مؤلف (The Dark Knight) ويشارك ببطولته أنتوني هوبكنز وإيد هاريس.

يتحدث العمل عن حديقة ترفيهية سكانها روبوتات (مضيفين)، يقصدها البشر (الضيوف) للترفيه عن أنفسهم وتلبية غرائز القتل والجنس والمغامرة في محاكاة للعالم الغربي في القرن التاسع عشر. لكن لم تتضح معالم القصة بعد؛ حيث صرح القائمون على العمل أنه سيكون مؤلفًا من خمسة مواسم، يتألف الموسم الأول من عشر حلقات عرض منها سبع حلقات حتى الآن.

 

المساهمون