قد يصحّ القول بأن ما تعرّضت - وتتعرّض له - كُبريات مدن العراق من عمليات نهب وتهريب، إضافةً إلى التخريب المباشر لمعالمها، بات يدعو إلى مزيد الاشتغال على توثيق التراث العراقي في مستوياته المتعدّدة، فالكتابة تظلّ الشاهد الذي لا يُمكن طمسه.
ضمن هذا التوجّه، صدر مؤخّراً كتاب "المعالم العمرانية في بغداد القديمة" للآثاري والمؤرّخ العراقي خالد خليل حمودي. ويأتي العمل ضمن سلسلة "فنون" التي تصدرها "دار الشؤون الثقافية العامة" التابعة لوزارة الثقافة العراقية.
يحتوي الكتاب على فصول ثلاثة، تناول الأوّل سردية تأسيس الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لبغداد (مدينة السلام)، مُبرزاً الجانب الهندسي في تخطيطها ورمزياته، ثم يُتابع المؤلّف كيف توسّعت المدينة بمرور العصور موثّقاً تواريخ لما سيسمّى اليوم بـ "معالم بغداد".
الفصل الثاني، ويحمل عنوان "المعالم العمرانية القديمة والمشهورة"، يتّخذ بعداً توصيفياً؛ حيث يركّز الكاتب على الخصائص المعمارية، مبرزاً مرجعياتها في مدينة كانت تمثّل من جهة أكبر مدينة في العالم خلال العصر الوسيط، ومن أخرى ملتقى عالمياً بين مختلف أمم ذلك العصر.
من أبرز ما يركّز عليه المؤلّف هو قراءة أسباب إهمال بعض معالم بغداد، إذ لا يستعمل نبرة اتهامية للحاضر، بل يحاول إيجاد مقاربات موضوعية، مثل تحوّلات المدينة التي تجعل من بعض المواقع أقل أهمية عمرانية ما ينجرّ عنه إهمال، أو أن عمليات ترميمها في القرون الأخيرة قد أفقدها هويتها الأصلية وخصائصها الأثرية.
في الفصل الأخير، يتناول حمودي بالدرس الأبنية الخدمية القديمة في بغداد، كالأسواق والخانات، والحمّامات، مقدّماً هنا جرداً لها ولمواقعها وشيء من تواريخها والعناصر المعمارية التي تشترك فيها.