"النويدرة"... تدافع عن السعودية منذ 40 عاماً
فجعت منطقة النويدرة بالأمس باستشهاد شاب في مقتبل العمر في أرضٍ ليست أرضه وللدفاع عن علم يبدو من تفاصيل وحيثيات المعركة أنه ليس علم بلاده، لم يكن هو الشاب الأول من أبناء هذه المنطقة الذي يلقى حتفه دفاعا عن أراضي المملكة العربية السعودية، فقد سبقه خمسة شباب من نفس المنطقة الصغيرة راحوا يبحثون عن فرصة لتحسين دخلهم وأوضاع عوائلهم وهربا من شظف العيش والأعمال الشاقة ليعودوا مجرد أخبارٍ موجعة وصلوات ودموع وأحلام مجهضة.
باسم الدفاع عن العقيدة والإغراءات المالية (وبرواتب الـ 1500 ريال سعودي المتقطعة) يواصل سماسرة الداخل وقادة الجبهات السلفيون في الحد الجنوبي السعودي الزج ببطون خاوية في جحيم المعارك المستعرة، متجردين من أي التزامات أخلاقية وقانونية ودينية.
يُرمى الجرحى كخردة الأسلحة التي دمرتها الحرب من دون أي التزام بعلاجهم ولا حتى ضمان لاستمرار رواتبهم.. قصص مروعة يعانيها أبناء هذه المنطقة، من استطاع أن يعود من الحرب عاد بجراحه فاقداً عينيه، حاملاً إعاقته المستديمة إلى منزله ومن فكر في البقاء للعلاج داخل السعودية تعفنت أطرافه المتقطعة في سكن وسط الصحراء دون أن يأبه له أحد؛ فعن أي عقيدة وعن أي قضية مشتركة يتحدّث هؤلاء؟!
في حديث سابق لمسؤول الحشد في معسكر التحالف بالوديعة العقيد بشير الجزيمي لقناة الجزيرة لفتت انتباهي جملة قالها أثناء شهادته بعد استقالته، أن قائد مركز العمليات السعودي السابق "أبو عبد العزيز المرزوقي" قال لهم وهو يستنقص منهم كقوة يمنية "أنتم وحدة عسكرية لم تأدوا أي شيء في الجبهة، هذا الجبل أروح أجيب اثنين حضارم يطلعون لهذا الجبل، أنتم ما هو دوركم؟!".
لا يتحدث القائد السعودي في هذه اللحظة عن شجاعة الحضارم، وإنما استرخاصاً لمقدارهم وحاجتهم؛ فالجبل الذي تحدث عنه - بحسب شهادة العقيد - مليء بالألغام والعبوات، إذ يريد منهم أن يجعل من أجسادهم كاسحات ألغام، يدفع بقوات لا تتمتع بأدنى متطلبات التسليح للمعركة للسيطرة على جبل لا يستطيع أن يصعده أبطال أقوى جيش مدرب دون غطاء جوي ودعم بالسلاح، ناهيك عن قوة غير نظامية تقاتل من أجل الجوع والوجع.
تجاوز استغلال السعوديين حاجة الشباب اليمني وفقره وانعدام فرص العمل بسبب الحرب ليقوم بمهمة الجيش السعودي وحماية الأراضي السعودية بقوة لا نظامية ولم يكتفوا بهذا فحسب، فكثيرة هي الأنباء التي تواردت من خلف الحدود عن عمليات اعتقال لقادة وأفراد قرروا العودة أو طالبوا بمستحقاتهم المالية أو بتحسين أوضاعهم المعيشية ووصلت بهم الجرأة إلى قصف المجاميع اليمنية التي تشاركهم ذات المعركة بحجة أنهم تقدموا من غير إذن التحالف أو تصرفوا وفقاً لتقديرات وحسابات لحظة المعركة.
مغمضي العينينـ مسلوبي الإرادة والحقوق والالتزامات الأخلاقية والقانونية، تزج السعودية بالمقاتلين اليمنيين للدفاع عن أراضيها في معركة صورتها لهم معركة مذهبية عقائدية مع الحوثيين، في ذات لحظة المعركة تهرول الدبلوماسية السعودية لإجراء حوارات سرية مع الحوثيين، ويغازل نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الحوثيين ويترجاهم أن يستجيبوا للمصالحة، يؤكد ذلك حديث السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بأن بلاده تجري محادثات يومية مع الحوثيين في اليمن؛ بحسب آل جابر يواصل المسؤولون السعوديون الحديث مع نظرائهم الحوثيين في حين دم شباب "النويدرة" يسكب على الأراضي السعودية ونواح أهاليهم يتصاعد داخل حجرات المآتم.
في اللحظة التي يحزم فيها أبناء منطقة النويدرة ومدينة تريم أمتعتهم للسفر إلى رحلة الموت نحو الحدود السعودية، ثمة دم يسكب وقاتل يتجول بالقرب من بيوتهم يقطف رؤوس الأبرياء في وادي حضرموت؛ عجزت السلطات الأمنية عن إيقافه لضعف إمكاناتها، وبسبب تجاهل مندوب التحالف السعودي المسؤول عن الملف الأمني في وادي حضرموت نجح المندوب السعودي في فرض الأمن وتأمين جلسات البرلمان المنعقد في سيئون وادي حضرموت، لكن مع انتهاء جلسات البرلمان سحب معداته ومنظومته العسكرية وتجاهل نداءات ومطالبات السلطات والأهالي بضرورة توفير الدعم لوقف شلال الدم، تجاهل النداءات والاستغاثات لأن تضحيات أبناء "النويدرة" وحضرموت دفاعا عن الأراضي السعودية ليست سوى ماء مسكوب دفعت قيمته مملكة النفط المتخمة.
ليست هذه المرة الأولى التي يدافع فيها أبناء "النويدرة" عن السعودية، فقبل نحو 40 عاماً، في عام 1400 هجرية، طلب وزير الإعلام السعودي محمد عبده يماني إعداد أغنية وطنية تُلقى أمام قادة العالم في عهد العاهل السعودي الراحل الملك خالد فحضر "ابن النويدرة" الفنان القدير أبوبكر سالم خلال 28 ساعة بأغنية (يابلادي واصلي.. واصلي واحنا وراك) لحناً وروحاً وكلمات هي الأكثر جمالاً وخلوداً وتأثيراً.
لكأن أبوبكر سالم كتب بلسان يوسف ورفاقه الخمسة من أبناء منطقته ومسقط رأسه "النويدرة" الذين استشهدوا دفاعاً عن السعودية في الصفوف الأولى لا عن السعوديين الذين تركوا نسخاً منهم في مؤخرة الجبهة البعيدة عن النيران يلتقطون الصور والسنابات بحثاً عن تقدير ذواتهم المنقوصة، غير آبهين بمصير أرضهم التي يحميها المقاتلون اليمنيون.
تخمة النفط أفقدت عرب الصحراء وفاءهم ونخوتهم وإحساس ضمائرهم، لكن هل يدرك شباب وأهالي "النويدرة" هذه الحقيقة ليكون يوسف آخر الضحايا ويضعوا حداً لارتزاق سماسرة الحرب، أم أن الشعاب والبراري السعودية لا تزال على موعد مع أشلاء ودماء العديد من رفاق يوسف من شباب حضرموت؟!
باسم الدفاع عن العقيدة والإغراءات المالية (وبرواتب الـ 1500 ريال سعودي المتقطعة) يواصل سماسرة الداخل وقادة الجبهات السلفيون في الحد الجنوبي السعودي الزج ببطون خاوية في جحيم المعارك المستعرة، متجردين من أي التزامات أخلاقية وقانونية ودينية.
يُرمى الجرحى كخردة الأسلحة التي دمرتها الحرب من دون أي التزام بعلاجهم ولا حتى ضمان لاستمرار رواتبهم.. قصص مروعة يعانيها أبناء هذه المنطقة، من استطاع أن يعود من الحرب عاد بجراحه فاقداً عينيه، حاملاً إعاقته المستديمة إلى منزله ومن فكر في البقاء للعلاج داخل السعودية تعفنت أطرافه المتقطعة في سكن وسط الصحراء دون أن يأبه له أحد؛ فعن أي عقيدة وعن أي قضية مشتركة يتحدّث هؤلاء؟!
في حديث سابق لمسؤول الحشد في معسكر التحالف بالوديعة العقيد بشير الجزيمي لقناة الجزيرة لفتت انتباهي جملة قالها أثناء شهادته بعد استقالته، أن قائد مركز العمليات السعودي السابق "أبو عبد العزيز المرزوقي" قال لهم وهو يستنقص منهم كقوة يمنية "أنتم وحدة عسكرية لم تأدوا أي شيء في الجبهة، هذا الجبل أروح أجيب اثنين حضارم يطلعون لهذا الجبل، أنتم ما هو دوركم؟!".
لا يتحدث القائد السعودي في هذه اللحظة عن شجاعة الحضارم، وإنما استرخاصاً لمقدارهم وحاجتهم؛ فالجبل الذي تحدث عنه - بحسب شهادة العقيد - مليء بالألغام والعبوات، إذ يريد منهم أن يجعل من أجسادهم كاسحات ألغام، يدفع بقوات لا تتمتع بأدنى متطلبات التسليح للمعركة للسيطرة على جبل لا يستطيع أن يصعده أبطال أقوى جيش مدرب دون غطاء جوي ودعم بالسلاح، ناهيك عن قوة غير نظامية تقاتل من أجل الجوع والوجع.
تجاوز استغلال السعوديين حاجة الشباب اليمني وفقره وانعدام فرص العمل بسبب الحرب ليقوم بمهمة الجيش السعودي وحماية الأراضي السعودية بقوة لا نظامية ولم يكتفوا بهذا فحسب، فكثيرة هي الأنباء التي تواردت من خلف الحدود عن عمليات اعتقال لقادة وأفراد قرروا العودة أو طالبوا بمستحقاتهم المالية أو بتحسين أوضاعهم المعيشية ووصلت بهم الجرأة إلى قصف المجاميع اليمنية التي تشاركهم ذات المعركة بحجة أنهم تقدموا من غير إذن التحالف أو تصرفوا وفقاً لتقديرات وحسابات لحظة المعركة.
مغمضي العينينـ مسلوبي الإرادة والحقوق والالتزامات الأخلاقية والقانونية، تزج السعودية بالمقاتلين اليمنيين للدفاع عن أراضيها في معركة صورتها لهم معركة مذهبية عقائدية مع الحوثيين، في ذات لحظة المعركة تهرول الدبلوماسية السعودية لإجراء حوارات سرية مع الحوثيين، ويغازل نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الحوثيين ويترجاهم أن يستجيبوا للمصالحة، يؤكد ذلك حديث السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بأن بلاده تجري محادثات يومية مع الحوثيين في اليمن؛ بحسب آل جابر يواصل المسؤولون السعوديون الحديث مع نظرائهم الحوثيين في حين دم شباب "النويدرة" يسكب على الأراضي السعودية ونواح أهاليهم يتصاعد داخل حجرات المآتم.
في اللحظة التي يحزم فيها أبناء منطقة النويدرة ومدينة تريم أمتعتهم للسفر إلى رحلة الموت نحو الحدود السعودية، ثمة دم يسكب وقاتل يتجول بالقرب من بيوتهم يقطف رؤوس الأبرياء في وادي حضرموت؛ عجزت السلطات الأمنية عن إيقافه لضعف إمكاناتها، وبسبب تجاهل مندوب التحالف السعودي المسؤول عن الملف الأمني في وادي حضرموت نجح المندوب السعودي في فرض الأمن وتأمين جلسات البرلمان المنعقد في سيئون وادي حضرموت، لكن مع انتهاء جلسات البرلمان سحب معداته ومنظومته العسكرية وتجاهل نداءات ومطالبات السلطات والأهالي بضرورة توفير الدعم لوقف شلال الدم، تجاهل النداءات والاستغاثات لأن تضحيات أبناء "النويدرة" وحضرموت دفاعا عن الأراضي السعودية ليست سوى ماء مسكوب دفعت قيمته مملكة النفط المتخمة.
ليست هذه المرة الأولى التي يدافع فيها أبناء "النويدرة" عن السعودية، فقبل نحو 40 عاماً، في عام 1400 هجرية، طلب وزير الإعلام السعودي محمد عبده يماني إعداد أغنية وطنية تُلقى أمام قادة العالم في عهد العاهل السعودي الراحل الملك خالد فحضر "ابن النويدرة" الفنان القدير أبوبكر سالم خلال 28 ساعة بأغنية (يابلادي واصلي.. واصلي واحنا وراك) لحناً وروحاً وكلمات هي الأكثر جمالاً وخلوداً وتأثيراً.
لكأن أبوبكر سالم كتب بلسان يوسف ورفاقه الخمسة من أبناء منطقته ومسقط رأسه "النويدرة" الذين استشهدوا دفاعاً عن السعودية في الصفوف الأولى لا عن السعوديين الذين تركوا نسخاً منهم في مؤخرة الجبهة البعيدة عن النيران يلتقطون الصور والسنابات بحثاً عن تقدير ذواتهم المنقوصة، غير آبهين بمصير أرضهم التي يحميها المقاتلون اليمنيون.
تخمة النفط أفقدت عرب الصحراء وفاءهم ونخوتهم وإحساس ضمائرهم، لكن هل يدرك شباب وأهالي "النويدرة" هذه الحقيقة ليكون يوسف آخر الضحايا ويضعوا حداً لارتزاق سماسرة الحرب، أم أن الشعاب والبراري السعودية لا تزال على موعد مع أشلاء ودماء العديد من رفاق يوسف من شباب حضرموت؟!