"النشاشة"..تونسيون يقنصون رزقهم عبر الصيد البري

31 أكتوبر 2015
الصيد البري مصدر رزق آلاف التونسيين (Getty)
+ الخط -
مع فجر كل يوم يحزم علي المصباحي، معداته ويجهز كلابه في انتظار أفواج الصيادين الوافدين على منطقته الجبلية بأقصى الشمال الغربي التونسي لممارسة صيد الخنزير الوحشي، ويعرف المصباحي (45 عاما) بأنه من أشهر وأمهر مطاردي الخنزير البري أو ما يصطلح عليه بـ"النشاشة"، حسب اللغة المحلية، في المنطقة التي يحبذها الصيادون لطبيعتها الجميلة ووفرة الصيد فيها، في مثل هذه الفترة من السنة.
وقد خبر المصباحي منذ نعومة أظفاره جميع طرق صيد الخنزير وإحكام السيطرة على المناطق التي يتكاثر فيها بين أدغال جبال منطقة المصابحية من محافظة باجة وهو ما جعله يربط علاقات متوطدة مع الصيادين التونسيين والأجانب ممن يخيرون التعامل معه لتسهيل مهمتهم.
وتعد الفترة الممتدة بين شهري سبتمبر/أيلول ويناير/كانون الثاني الأهم لمطاردي الخنزير وعشاق رياضة الصيد البري حيث تحدد الحكومة التونسية موسم الصيد البري بأربعة أشهر في السنة وهو ما يجعل المطاردين أو "النشاشة" يركزون على قنص رزقهم في هذه الأوقات.
وتعوّد المصباحي وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" على تنظيم مواعيده مع الصيادين عبر الهاتف كما يقوم أسبوعياً بضبط روزنامة للقاءاته مع صيادين ألفوا التعامل معه منذ ما يزيد عن عشرين عاماً، وهو ما يمكنه من تحصيل عائدات تفوق 50 دولاراً يوميا في صورة تأجير كلابه المدربة على الصيد.
ورغم أن فنّ المطاردة ليس بالأمر السهل حسب محدثنا إلا أن أهالي منطقة المصابحية والغابات المجاوزة، يقبلون على هذه المهنة التي تمثل أحد الروافد الاقتصادية لمنطقة تكاد تفتقر إلى أدنى مقومات التنمية حيث يجد الأهالي ضالتهم في كل المهن التي توفرها المساحات الغابية الشاسعة المحيطة بالمنطقة.
ويقوم المطارد حسب ما يرويه المصباحي بضبط مكامن اختباء وتكاثر الخنازير في مرحلة أولى ثم تمكين الصيادين من مناطق التمركز التي تسهل عملية القنص دون التعرض إلى أي خطر في حين يقوم المطاردون بإصدار أصوات قوية لإجبار الخنازير على مغادرة أوكارها أين يعترضها وابل الرصاص المتدفق من بنادق الصيادين.

وتبقى رياضة صيد الخنزير البري الأكثر إثارة لما يكتنف هذه الممارسة من مغامرة ودقة لخطورة تكاثر هذا النوع من الوحش على الأنشطة الفلاحية ولصعوبة المناطق التي يتخذها ملاذا للاختباء قطيعا ومنفرداً، ناهيكم عن ضراوته في تدمير محيطه وسرعته الفائقة في عبور الأمكنة.
ويستوجب الحصول على رخصة الصيد البري لصيد الخنزير الوحشي دفع رسوم لمسؤول محاصيل أملاك الدولة قدره ثلاثون ديناراً، أي نحو 15 دولارا للصيادين المواطنين والمقيمين المولودين بالبلاد التونسية، وخمسون ديناراً للصيادين المقيمين مؤقتاً 25 دولارا وذلك علاوة على دفع رسوم أختام قدره عشرون دينارا عن كل خنزير من العشرة خنازير الأولى ومائة دينارا عن كل خنزير زاد عن ذلك العدد.
ويتعين على مؤسسات النزل والمطاعم وبصفة عامة جميع الأماكن التي تقتني محاصيل الصيادين من الخنزير الوحشي أن لا تتسلم أي حيوان لا يحمل الخاتم المميز وتحتفظ هذه المؤسسات بهذا الخاتم. وتعتبر هذه الأختام إحدى وثائق الإثبات على أن المصيد المذكور كان موافقا للقانون الجاري به العمل المتعلق بالصيد.
ولا يخفي المصباحي قلقه من تراجع حجم النشاط هذا الموسم بسبب تخوف الصيادين ولا سيما منهم الأجانب من الإرهابيين المتحصنين بالجبال رغم أنه يدرك أن منطقته أمنة بحكم تردده اليومي على الجبل.
ويتم في تونس سنوياً صيد ما بين 2000 و2700 خنزير وحشي، لكن هذا العدد ارتفع إلى أكثر من 4800 خنزير في العام الماضي، حسب إحصائيات رسمية.
وإلى جانب حوالي 9200 صياد تونسي يتوافد العديد من هواة الصيد إلى تونس سنويا في موسم الصيد البري بخاصة من دول خليجية عربية وأخرى أجنبية لا سيما فرنسا وإيطاليا والسويد وبلجيكا وسويسرا وألمانيا والنرويج.
ويشكل موسم الصيد البري مصدر رزق لألاف الأسر التونسية فيما بلغ حجم العائدات الإجمالية من العملة الصعبة من سياحة الصيد البري في تونس نحو 1.2 مليون دينار تونسي اي ما يعادل 0.5 مليون دولار.
وتطمح الجامعة التونسية للصيادين إلى إنشاء هيكل جامع للصيادين المغاربة بالتعاون مع الجمعيات المماثلة لا سيما في المغرب والجزائر لتطوير هذا النوع من السياحة التي قد تغير المشهد الاجتماعي في القرى والمدن المحاذية للغابات.

اقرأ أيضا: تونس تتجه إلى رهن ممتلكاتها العامة
المساهمون