"الملاك"... فشل سياسة المنع المصريَّة

19 اغسطس 2018
كريم عبد العزيز بطل مسلسل "الزيبق" (Getty)
+ الخط -
بطرحها فيديو الترويج، وإعلانها عن موعد عرض "الملاك" في الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول المقبل، تضع نتفليكس الروايات الرسمية المصرية لقصة أشرف مروان في اختبار جديد بعد أشهر من أزمة عاشتها مع ظهور الترجمة العربية للكتاب الأصلي الذي استند إليه هذا العمل. حين طُرِحت الترجمة العربية، وانتشرت في مكتبات مصر، وحققت مبيعات مرتفعة، كانت النسخة الإنكليزية قد وصلت قبلها بفترة طويلة. وأعدّ صحافيّون مصريّون ترجمات مختصرة لأبرز ما فيها.

وعاد الجدل بشأن هوية صهر ناصر، وذراع السادات الأيمن، والرجل الذي غاب مبارك عن جنازته، فترِكَت المزيد من علامات الاستفهام. لكن، ما أن انتبهت السلطات متأخرة إلى انتشار الترجمة العربية، وظهور مراجعات عديدة ومقالات تتناول ما في الكتاب الذي أعده يوري بار جوزيف عن سكرتير السادات، للمعلومات التي وصفته بالجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل، كانت الرواية قد تعززت بمقالات أخرى من كتاب أبعد ما يكونون عن ترويج الرواية الإسرائيلية، مثل الكاتب الناصري البارز، عبد الله السناوي، في مقاله الأسبوعي بجريدة "الشروق".

لم يمنع هذا السلطات المصرية من مصادرة الكتاب وملاحقة ناشره واختفاء كل النسخ المتبقية من طبعته الأولى من المكتبات المصرية. ولكن ذلك أيضاً لم يحل دون انتشار النسخ المقرصنة من الكتاب، وزاد الترقُّب لمشروع الفيلم الذي أعلنت شركة نتفلكيس عن إعداده.

ضاعف كل هذا من حجم الحماسة للفيلم، وأظهر فشلاً جديداً لسياسة المنع والمصادرة، في وقت سيكون فيه العمل متاحاً لمشاهدته بشكل أوسع من القراءة عند جمهور أقل بكثير. كما أنه أظهر كذلك فشلاً آخر لمبادرة اعتمدتها السلطات المصرية قبل عامين فقط. بعد انتهاء عرض الجزء الأول منه، لم يكن "عمر طه" أو الشخصية التي أداها كريم عبد العزيز في مسلسل "الزيبق"، قد وصل إلى تل أبيب ليبدأ مهمته في التجسس، وهي الأحداث التي لن تراها على الشاشة مرة أخرى، بعدما أكد أكثر من مصدر أن العمل قد توقف برغبة أجهزة سيادية فضلت عدم الاستمرار في تقديم أعمال عن الحرب الاستخبارية بين مصر وإسرائيل.
في التوقيت ذاته، كان مسلسل مصري آخر قد توقف التحضير له، إذ أعلنت شركتا "الماسة" و"سكاي" توقف مشروعهما لتحويل رواية "الصعود إلى الهاوية" للكاتب المصري الراحل صالح مرسي إلى مسلسل تلفزيوني، بعد نجاحها كفيلم تناول قصة الجاسوسة هبة سليم، والإعلان عن اختيار آسر ياسين وزينة لتقديم الشخصيتين اللتين قدمهما محمود ياسين ومديحة كامل في الفيلم الذي أخرجه كمال الشيخ.

بدا الأمر وكأنه ضمن محاولة تقارب جديدة، وسياسة تعامل مصري مع الصراع العربي الإسرائيلي بتجاهل الحديث عن إسرائيل ليس كعدو حالي فقط، ولكن كعدو تاريخي أيضاً. فاحتفالات الانتصار في أكتوبر لا تتحدث عن العدو الذي كانت مصر تواجهه حينها، والإعلام وجد أعداء جدداً يلصق بهم كل مؤامرة.
لم يكن ذلك كله مفاجئاً بعد تقرير نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن دراما التجسس، بعد الإعلان عن عرض "الزيبق"، ربطت فيه بين بطولة كريم عبد العزيز وشريف منير للمسلسل، بعدما قدما معاً فيلم "ولاد العم" قبل ذلك عن قصة جاسوسية أخرى تنتهي بعبارة شهيرة يتحدث فيها عن فلسطين قائلا: "هنرجع بس مش دلوقت"، فيما تتعجب تقارير معاريف من الإصرار على عرض مسلسلات الجاسوسية في رمضان "موسم المتابعة الكثيفة للتلفزيون".
انسحاب الدراما المصرية من هذه المواجهة لم ينل أي تعليق نقدي أو فني. فالكثير من المشاهدين والمتابعين كانوا قد ضاقوا بهذا الشكل من المبالغة والقصص التي برع فيها صالح مرسي، وحاول كثيرون تقليده بعدها، فخرجت المحاولات أكثر سوءاً. لكن غياب أي رواية مقابلة، يزيد الآن من فرص اعتماد الروايات الإسرائيلية للأحداث كما يجري مع الملفات السرية للحروب التي خاضها العرب، وترتفع الأصوات كل عام للمطالبة بإتاحتها للأجيال الجديدة، فلا يرد عليها سوى بمزيد من التجاهل والحجب.
المساهمون