بُنيت أولى المساجد في أوروبا بعد دخول المسلمين إلى إسبانيا مطلع القرن الثامن الميلادي والتي تحوّلت إلى كنائس بعد سقوط الأندلس عام 1492، ثم شيّدت موجة ثانية من المساجد خلال الحكم العثماني للبلقان وشرقي ووسط القارة العجوز منذ القرن الخامس عشر.
مثّلت تلك المعالم التاريخية جزءاً من حقبة عاش فيها بعض الأوروبيين في ظل أنظمة إسلامية، وظلّ الأمر كذلك حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث بدأ بناء جوامع لا تزال قائمة إلى اليوم في سياقات مجتمعية وقانونية تستوعبها بعد أن كانت تشكّل رموزاً دينية غير مقبولة في مرحلة سابقة.
ينظم "بيت آسيا" في لندن عند السادسة وخمس وأربعين دقيقة من مساء الثلاثاء المقبل، الحادي عشر من الشهر الجاري، جلسة لتقديم كتاب "المسجد البريطاني: تاريخ معماري واجتماعي" (2018) للمعماري والباحث شاهد سليم بحضور المؤلّف نفسه، وبالتعاون مع "مؤسسة بركات ترست".
يقدّم الكتاب نظرة عامة على العمارة الإسلامية في بريطانيا، مستعرضاً أقدم الأمثلة من أواخر القرن التاسع عشر إلى اليوم، مع التركيز على الطريقة التي أصبح بها المسجد، كشكل ثقافي ومعماري جديد، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من النسيج الحضري الحالي للمدن والمدن البريطانية، وكيف أثر هذا النوع الجديد من المباني على المشهد الحضري، اجتماعاً وثقافياً وهندسياً.
يتطرق سليم إلى دور الجامع كمكان للعبادة في هندسة المجتمع وأماكن العبادة، حيث لا يمكن التعامل معها كمبنى بمئذنتين تقام فيه الصلوات، مشيراً إلى وظائفه واستخداماته التي تساهم في دمج عناصر متنوعة في الهوية البريطانية، ما يستدعي البحث عن لغة معمارية خاصة تعكس هذه الهوية المتعدّدة.
يعود الكتاب إلى أقدم المساجد البريطانية المعروفة - التي غالباً ما بناها البريطانيون المتحولون إلى الإسلام - مثل "معهد مسلمي ليفربول"، ومسجد شاه جهان وكلاهما عام 1889، والمساجد التي بُنيت في فترة مبكرة في كارديف وجنوب شيلدز لخدمة اليمنيين الذين عملوا في "البحرية التجارية البريطانية" واستقروا قرب تلك الموانئ.
ثم ينتقل إلى المساجد التي بناها الهنود بعد موجة هجرة جماعية أعقبت تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وقد استخدموا بداية منازلهم أو أجزاء منها كمساجد، وكيف لعبت هذه المحطّات والأحداث في اختيار الطراز المعماري لكل مسجد والثقافة التي سعكسها مرتادوه.