ويقول مدير فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في تونس ووزير الثقافة السابق المهدي مبروك، لـ"العربي الجديد"، إنّ الدراسة تُعنى بعلم الاجتماع الانتخابي من خلال التعبئة الانتخابية للانتخابات التشريعية، وهي أول دراسة تُنجز في تونس حول علم الاجتماع الانتخابي، مؤكداً أنها استغرقت 15 يوماً، وشملت 1600 شخص من الحاضرين في الحملات الانتخابية، و540 رئيس قائمة. وأوضح مبروك أنّ الدراسة استخدمت تقنيات نوعية وكيفية، وتقنيات البحوث الكلاسيكية، إضافة إلى محادثات مباشرة مع رؤساء القوائم، وكثير من التقنيات، كالفيديو، والصور التي استعملت في الحملات الانتخابية.
اقرأ أيضاً: "المركز العربي" يبحث في تونس الانتخابات والانتقال الديمقراطي
وبحسب تعبير مبروك، فإنّ المناخ الانتخابي عموماً والاستقطابات والموقف السلبية من "الترويكا" (تحالف النهضة وحزبي مصطفى بن جعفر ومنصف المرزوقي الحاكم بعد الثورة)، كانت حاسمة في الوصول إلى القرار الانتخابي، وفي تحديد النتائج المعلن عنها. واعتبر أن جمهور التعبئة الانتخابية كان بالأساس جمهور مناصرين، وقال إن من شارك في الاستحقاق كانت له علاقة حزبية مباشرة، أو علاقة جوار، أو قرابة بالمرشح، وبالتالي فإن الرهان على المترددين كان ضعيفاً؛ لأن التعبئة استقطبت أشخاصاً حددوا موقفهم مسبقاً. وأهم استنتاجات الدراسة هي أن الجمهور الانتخابي بالأساس كان "جمهوراً كهلاً وذكورياً وحضرياً"، وفق تعبير مبروك.
ويعطي مبروك أهمية كبيرة لما ساد من "زواج خفيّ بين المال والسياسة، والرياضة، وهو ما برز بصفة واضحة في الأهازيج والشعارات الانتخابية". في السياق ذاته، أشار الباحث المختص في علم الاجتماع، عبد اللطيف الهرماسي، إلى أنّ أبرز ما تمكن ملاحظته من خلال السيرورة الانتخابية التي انطلقت منذ الثورة، هو "توظيف الرموز والمقدسات الدينية وحتى المدنية إلى جانب رمزية الشهيد". وأكدّ الهرماسي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أسطورة الثورة أصبحت مقدساً، لا يمكن التشكيك فيه أو التساؤل حوله، كما أن الثورة تحوّلت إلى صنم يُستخدم في أغلب خطابات الأحزاب حتى تلك التي لم تشارك في الثورة". واعتبر أنّ أسطورة الشهيد انطلقت منذ محمد البوعزيزي، لافتاً إلى أن ما أقدم عليه البوعزيزي "من وجهة نظر دينية يعتبر حراماً، إلا أن الشعب التونسي تعامل معه كشهيد".
وتابع الهرماسي أن "هناك أساطير أخرى نشأت، كأسطورة العصر الذهبي، سواء لدى الإسلاميين بالتركيز على الخلافة الراشدة، أو لدى جزء من المجتمع الذي اعتبر العصر الذهبي هو ما قبل الثورة، فهناك نخب تمسكت بالفترة البورقيبية، أما عامة الشعب فحنّت إلى فترة بن علي". وشدّد على أنه "لوحظ في الانتخابات الرئاسية التي دارت بين المرزوقي والباجي قائد السبسي، أنّ كل طرف حاول من موقعه تقديم نفسه كمنقذ لتونس من الوضع الذي تتخبط فيه، الأول بصورة الدكتور والحقوقي، والثاني بهيئة الشخصية المحبوبة والمرحة".
وحضرت استراتيجية تشويه الخصم بقوة في استحقاق 2014، بحسب الباحث نفسه، فضلاً عن التخويف من الطرف الآخر، سواء من "التجمعيين الجدد"، أو من الإسلاميين. في المقابل، يلاحظ رئيس منتدى العلوم الاجتماعية، عبد الوهاب حفيظ، أنّه حصل تطور ملحوظ في أنماط التعبئة مقارنة بانتخابات 2011، معتبراً أن "الحملة في 2014 كانت أكثر سلمية رغم حديث الإعلام عن عنف حصل خلال الاجتماعات ولكنه لم يكن ذا أهمية". وأكدّ أن تقنيات التسويق الانتخابي كانت أكثر تطوراً، إلى جانب آليات تنشيط الاجتماعات واستقطاب الأطراف التي كانت تخضع إلى برامج تعتمد على التوجه الفكري والسياسي لكل حزب، فظهر الاعتماد على الرياضيين والممثلين واستثمار العامل الرمزي. ولاحظ أن الذين حضروا اجتماعات الحملات الانتخابية كانوا بالأساس ينتمون إلى جمهور حضري بنسبة 70 في المائة، وكانوا جمهوراً ذكورياً، كما سجل أن حضور المرأة كان محدوداً جداً، واقتصر على أسر كلاسيكية.
وأوضح حفيظ أن كثيراً من الفئات من غير المتزوجين، والمطلقين، والأرامل، لم يكونوا معنيين كثيراً بالحملات الانتخابية، كذلك الشباب الذي كان حضوره أيضاً ضعيفاً. وحول المال السياسي، قال حفيظ إنّه "كان ملحوظاً من خلال الاجتماعات، والحملات الانتخابية، كما أن بعض الأحزاب اعتمدت على أسلوب الاستقطاب مدفوع الأجر".
اقرأ أيضاً: "المركز العربي" يختتم أعمال ندوته العلمية في تونس