"المربّع الملكي" في المغرب: حكومة ظلّ من مستشاري القصر

15 اغسطس 2016
يشرف الهمة على ملفات سياسية وأمنية (فيليب ديماز/فرانس برس)
+ الخط -
يعود الحديث بقوة في المغرب عن "المربّع الملكي" أو "حكومة الظل"، في خضم ولاية الحكومة الحالية التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية، ويترأسها عبد الإله بنكيران، مع تكرار تصريحات الأخير بوجود "دولتين داخل المغرب"، وبأن حزبه "وصل إلى الحكومة وليس إلى الحكم". "حكومة الظل"، "المربّع الملكي"، "النخبة الحاكمة"، أو "محيط الملك"، كلها مسميات في المغرب عن شخصيات سامية ذات نفوذ كبير وتلعب أدواراً هامة في المشهد السياسي بالبلاد، وتكاد تعود إليها أغلب القرارات والتوجّهات الاستراتيجية في الشأن السياسي والاقتصادي للمملكة. ويُجمع مراقبون على أن المقصود بحكومة الظل، أو المربّع الملكي، هم أقرب مستشاري الملك المغربي محمد السادس، وهم شخصيات تحيط بالملك، ويشرف كل واحد منهم على ملف معين، فمثلاً صديق الملك ومستشاره، فؤاد عالي الهمة، يمسك بخيوط الملفات السياسية والأمنية، ومحمد منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك، يمسك بالملف الاقتصادي، وهناك مستشارون آخرون مكلفون بالسياسة الخارجية، وبالسياحة، وبالشأن الديني.

محيط الملك
يسمي المتابعون للوضع السياسي في المغرب هذه الشخصيات المقربة من الملك بـ "حكومة الظل"، لأنها لا تظهر عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية في العلن، وتكتفي بالمكوث في "ظل الملك"، ولكنها تمتلك وزناً سياسياً وقوة اقتراح كبيرة تفرض في كثير من الأحيان وجودها على المشهد السياسي في البلاد. ويقود الحديث عن وجود "حكومة الظل"، أو "محيط الملك" النافذ، إلى ضرورة فهم أدوار ومهام كل أطراف "المربع الملكي" في المغرب، فإذا كان دستور المملكة لسنة 2011 قد خصّ الملك بعدد من المسؤوليات والمهام المحددة المخولة له، فإنه بالمقابل لا يتضمن أية إشارة إلى وجود مؤسسات من قبيل المستشار الملكي.

ويُعتبر الملك في الدستور المغربي هو "رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، ويسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة".
في المقابل، لا يوجد في الوثيقة الدستورية للمملكة، أي بند أو فصل يحدد طبيعة مهام المستشار الملكي، بيْدَ أن تعيينه يتم من قِبل العاهل المغربي بمرسوم يُنشر في "الجريدة الرسمية"، وبالتالي تغيب المحددات القانونية لعمل ومهام المستشار الملكي، على الرغم من كونه يُعتبر موظفاً سامياً يتقاضى رواتبه المالية من ميزانية الدولة. ويظهر العديد من مستشاري الملك في المجالس الوزارية التي يترأسها العاهل المغربي، وفق نص الدستور، كما يتواجدون برفقة الملك في عدد من زياراته إلى بلدان العالم، ويجلسون إلى طاولات المفاوضات في اتفاقيات الشراكات الاستراتيجية بين المملكة وتلك البلدان.
ويتسم الوضع الظاهر لعدد من مستشاري الملك بكونه اعتبارياً وبروتوكولياً، إذ يحضرون لقاءات الملك برؤساء وقادة الدول، أو يتلون رسائل ملكية موجّهة إلى مؤتمرات أو قمم عالمية تقام على أرض المغرب، لكنهم في العمق يعملون على ملفات تتسم بالأهمية القصوى، كملفات الأمن والتعليم والاقتصاد والدين والسياسة.
وأفرد دستور 2011، الذي جاء في زخم "الربيع العربي"، لرئيس الحكومة المغربية عدداً من الصلاحيات التي لم تكن في الدستور السابق، فقد منحه حق تعيين وزراء حكومته، كما أعطاه الحق في اقتراح حل الحكومة على الملك، كذلك يتمتع رئيس الحكومة بصلاحية تعيين المسؤولين في المناصب السامية باستثناء الوظائف العسكرية التي تبقى من اختصاص الملك.
ويبدو أن عدم التطبيق الفعلي لصلاحية تعيين المسؤولين في المناصب العليا التي خص بها الدستور، نظرياً، رئيس الحكومة، أثار في نفْسِ بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، بعض الامتعاض، بدليل تصريحه في الأيام الأخيرة بوجود دولتين بالمغرب، "دولة رسمية يترأسها الملك، وأخرى تتكفل بالتعيينات". ورأى مراقبون في تصريحات رئيس الحكومة بشأن وجود "دولة ثانية" تبسط يدها على التعيينات في المناصب العليا، على الرغم من أن هذه الصلاحية تعود مبدئياً وبحسب نص الدستور إلى رئيس الحكومة، إشارة قوية إلى نفوذ "محيط الملك" أو "حكومة الظل" كما يسميها البعض.

الهمة... الرجل القوي
يشغل فؤاد عالي الهمة منصب مستشار الملك، وهو صديقه المقرب منذ أيام الدراسة في المعهد الملكي في القصر بالرباط، وله مكانة خاصة في قلب "المربع الملكي"، فهو الذراع الأيمن للعاهل المغربي، كما تصفه وسائل إعلام مغربية، وهو أيضاً صديق حميم للملك، بدليل مشاهدته مراراً جالساً إلى جانبه خلال جولاته الخاصة والسياحية بالبلاد. واستطاع الهمة، وهو ابن أسرة بسيطة في مدينة بن جرير، وسط البلاد، أن يؤسس لحضور قوي ولافت في "المربع الملكي"، بعد أن كان تلميذاً صغيراً يجاور مقعد الملك، الأمير حينها في أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات من القرن الماضي، إلى أن أضحى "أقوى" مستشاري العاهل المغربي في السنوات القليلة الأخيرة.

قبل أن يُعين مستشاراً للملك، انخرط الهمة في العمل الإداري والشأن السياسي في المغرب، إذ تولى منصب وزير منتدب في الداخلية منذ التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1999، أي أسابيع قليلة بعد تولي الملك محمد السادس سدة الحكم في البلاد بعد وفاة والده الراحل الحسن الثاني، إلى حدود السابع من أغسطس/آب 2007، قبل أن يقدّم استقالته مستفيداً من تجربة لا يستهان بها في معرفة خفايا وزارة الداخلية. وكانت استقالة الهمة حينئذ مدفوعة بتقدّمه للترشح كمستقل في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، في المنطقة التي ينحدر منها، ثم عمد إلى تأسيس "حركة لكل الديمقراطيين"، والتي ضمّت العديد من اليساريين السابقين، منهم من جربوا محنة الاعتقال في سنوات السبعينيات، والتي تحوّلت في ما بعد إلى حزب "الأصالة والمعاصرة"، بيْد أن الهمة سرعان ما غادر الحزب بعد أن تم تعيينه مستشاراً للملك في ديسمبر/كانون الأول 2011.
وينسب الكثير من المراقبين للهمة إشرافه على العديد من الملفات ذات الطابع السياسي والأمني في المغرب، وأيضاً تدخّله في نسج المحاور الكبرى للسياسة العامة للدولة، وقيامه بأدوار حاسمة في تشكيل الحكومة الحالية التي جاءت عقب رياح "الربيع العربي" في نسخته المغربية، ممثلاً في حركة 20 فبراير التي طالبت بمحاربة الفساد، ورحيل شخصيات جمعت بين الثروة والسلطة.
ولم يُخْفِ بنكيران هذه الأدوار لمستشار الملك، إذ صرح بأن "فؤاد عالي الهمة يمتلك مكانة خاصة، والجميع يعرف هذا، وسواء تعلّق الأمر بالحكومة الأولى أو الحكومة الثانية، فإنه قام بدور كبير في التشاور، وأسهم في الوصول للصيغة النهائية لهذه الحكومة، ولكن أي شيء لم يكن يجري من دون اطلاع جلالة الملك".


الماجيدي... صانع النخبة الاقتصادية

وإذا كان يحلو لمحللين مغاربة تسمية الهمة بكونه "عراب" النخب السياسية في المغرب، خصوصاً بعد مرحلة الثورات العربية، فإنهم يلقبون محمد منير الماجيدي، مدير الكتابة الخاصة للملك، وأحد أقرب المقربين للعاهل المغربي، بكونه "عراب" النخب الاقتصادية في البلاد، بالنظر إلى أنه مكلف بإدارة ثروة الملك، وتدبير العديد من الشركات التابعة لـ"الهولدينغ" الملكي (المجموعات المالية). وبخلاف الهمة الذي يظهر كثيراً بالقرب من الملك المغربي في العديد من المحطات الرسمية والزيارات الخاصة خارج البلاد، فإن الماجيدي الذي يمكن اعتباره مستشاراً اقتصادياً ومالياً مقرباً للملك، يبتعد كثيراً عن الأضواء، ولا يظهر في الإعلام إلا إذا أثير اسمه في قضايا معينة، مثل تسريبات "أوراق بنما".

ونجح الماجيدي في إدارة ثروة الملك التي سبق أن صنفتها مجلة "فوربس" الأميركية من بين أوائل ثروات الملوك والأمراء في العالم، وذلك من خلال تسييره لـ"الهولدينغ" الملكي الذي كان يبسط يده على الكثير من الصناعات الغذائية والمصارف المالية، قبل أن يتراجع عن عدد من الشركات مباشرة بعد "الربيع العربي". ولم يكتف الماجيدي بإدارة ثروات الملك وشركات العائلة الملكية، ونسجِ علاقات قوية داخل المشهد الاقتصادي والمالي في البلاد، بل امتدت أنشطته إلى المجال الرياضي أيضاً، فهو رئيس نادي الفتح الرياضي الذي يحظى بعلاقة خاصة مع العائلة الملكية، باعتبار أنه نادٍ أسسه الملك الراحل محمد الخامس، كما أن شقيق الملك الحالي هو رئيسه الشرفي حالياً. وفوق بسط نفوذه داخل المشهد الرياضي، والكروي خصوصاً، فإن الماجيدي استطاع وضع بصمته على تنظيم مهرجان فني وغنائي يُنظم كل سنة بالرباط، ويستدعي إليه الكثير من نجوم الغناء في العالم بأسره، وهو مهرجان "موازين" الدولي، الذي أثار، وما زال يثير، الكثير من السجال حول نفوذ الرجل.


تعليم ومجتمع

وليس الهمة والماجيدي وحدهما من يمتلكان النصيب الأوفر في التقرب من العاهل المغربي، وبالتالي امتلاكهما للكثير من التأثير في الشأن السياسي والاقتصادي للبلاد، بحكم إشرافهما على العديد من الملفات والقضايا المحورية، ولكن أيضاً يوجد "رجال في محيط الملك" يلعبون أدواراً مؤثرة لا يستهان بها.
ففي مجال التعليم، تدخّل القصر لوضع مخطط لإصلاح هذا القطاع من خلال المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، قبل أن يختار الملك بعد ذلك عمر عزيمان ليعينه مستشاراً في الديوان الملكي، وأيضاً رئيساً للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وكلفه بمهمة إصلاح التعليم العام بالبلاد، بموازاة عمل الحكومة التي لديها وزارتان في هذا القطاع، الأولى وزارة التربية الوطنية، والثانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وفي الملف الاجتماعي، عمل "المربع الملكي" من خلال المستشارة الراحلة زليخة نصري، التي توفيت في 16 ديسمبر/كانون الأول 2015، إذ كانت لها اليد الطولى في الإشراف على العديد من المبادرات والمشاريع التنموية الاجتماعية لخدمة الطبقة الفقيرة والمتوسطة، من خلال مؤسسة محمد الخامس للتضامن. وضمن "المربع الملكي" يحظى أيضاً المستشار عبد اللطيف المنوني بدور "المنظّر" الدستوري، والحكم الفيصل في الإشكالات الدستورية القائمة، بينما يتكفل المستشار محمد المعتصم، وهو أحد زملاء الملك أيام الدراسة، بالملفات القانونية والدستورية. أما المستشار أندري أزولاي فيشرف على ملف اليهودية والتقارب الحضاري، فيما يترأس زميل الملك في مقاعد الدراسة، ياسين المنصوري، جهاز الاستخبارات العسكرية.

أما السياسة الخارجية للمملكة المغربية، فهي تظل ملفاً يستأثر بإشراف الملك شخصياً، على الرغم من وجود مستشار ملكي مكلف بهذا الشأن، وهو الطيب الفاسي الفهري، الذي سبق له أن شغل منصب وزير الشؤون الخارجية في الحكومة السابقة، وعلى الرغم من وجود وزارة مكلفة بهذا القطاع، وتتضمن ثلاثة رؤوس، وهي وزير الخارجية والتعاون، ووزيران منتدبان لدى وزير الخارجية، وهما ناصر بوريطة وامباركة بوعيدة.
ويقر بنكيران بأن السياسة الخارجية للبلاد هي من اختصاص الملك وحده، وصرح قبل أيام في هذا الخصوص قائلاً: "منذ توليت مسؤولية رئاسة الحكومة، قلت للملك: نحن لا نتدخّل في السياسة الخارجية؛ وفي موضوع الصحراء، اتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة ونحن معك ووراءك".

المساهمون