"المرأة والحراك الشعبي": فصول في ثورة ناعمة

03 مايو 2019
(من الحراك الشعبي في الجزائر العاصمة، تصوير: ياسين بوعزيز)
+ الخط -

بعد أسبوعين من بدء الحراك الشعبي في الجزائر ضدّ ترشّح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، ثمّ ضدّ جميع رموز نظامه، تظاهَر الجزائريون مجدّداً في جمعةٍ ثالثة صادف أن حملت تاريخ الثامن من آذار/مارس. هكذا، وعلى خلاف الاحتفالات الرسمية باليوم العالمي للمرأة في الأعوام السابقة، والتي تجري بتنشيط من الجمعيات النسوية التي تحوّلت إلى ما يشبه لجان مساندة للرئيس، تصدّرت المرأة مشهد المظاهرات التي عرفت، في ذلك اليوم، مشاركةً كبيرة للنساء، ومن بينهن رموزٌ في الثورة الجزائرية؛ مثل جميلة بوحيرد وزهرة ظريف بيطاط.

كان نظام بوتفليقة قد سوّق نفسه كمناصِر لحقوق المرأة، من خلال "تعزيز مكتسباتها" على أكثر من صعيد، كما في قانون الأسرة وقانون العقوبات وقانون الانتخابات الذي يفرض حصصاً إجبارية لها في المجالس المنتخَبة، غير أن المشاركة الواسعة للمرأة في الحراك بدت وكأنها تحمل ردّاً على النظام نفسه؛ مفاده أن معركة المجتمع ضدّ الفساد والدكتاتورية والتفرُّد بالسلطة هي معركة المواطن الجزائري، بغضّ النظر عن كونه رجلاً أو امرأة.

لكن الأمر لم يخل من احتكاكات؛ ففي مقابل صور المظاهرات السلمية التي جمعت كلا الجنسين، حدثت بعض الاعتداءات ضدّ ناشطات نسويات رفعن، خلال التظاهر، مطالب تتعلّق بقانون الأسرة وبالحريات الفردية، وهو ما قوبل برفضٍ لأسباب مختلفة، مثل الريبة من كلّ ما يصدر عن الحركات النسوية التي تلاحقها اتهامات تقليدية بالسعي لتغريب المجتمع، أو الاعتقاد بأن الظرف غير مناسب لرفع هكذا مطالب، حتى وإن كانت مشروعة، حتّى لا يتشتّت الحراك.

هذه الخلفيات كانت حاضرةً في ندوةٍ بعنوان "المرأة والحراك الشعبي"، نظّمتها "الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية"، قبل أيام، في "المركز الثقافي العربي بن مهيدي" بالجزائر العاصمة، بمشاركة عددٍ من الباحثات.

في مداخلتها التي حملت عنوان "الحراك وأمل تأسيس جزائر الحريات والمواطنة"، أثارت أستاذة الفلسفة الغربية المعاصرة في "جامعة الجزائر 2"، نورة شعلال، أسئلةً تتعلّق بوضع المرأة الجزائرية الراهن والمستقبلي، في ظلّ ما يشهده البلد من تغيُّرات اجتماعية وسياسية متسارعة، وعمّا إذا كان الحراك المتواصل منذ أكثر من شهرَين قادراً على تجاوز الحواجز والصراعات الثقافية والأيديولوجية والدينية والسياسية، ومن ثمَّ نجاحه في تأسيس "دولة الحقوق والمواطنة". بالنسبة إلى شعلال، فإن تجسيد فكرة المواطنة لن تتأتّى من دون دولة مدنية تُطبّق مبدأ التساوي في الحقوق والحريات بين الرجل والمرأة، مُعتبرةً في هذا السياق أن النصوص القانونية الحالية تحمل الكثير من الإجحاف ضدّ المرأة.

أمّا الشاعرة وأستاذة الفلسفة، حبيبة محمدي، فقدّمت مداخلةً بعنوان "مقاربة لمفهوم الثورة فلسفياً، وتجلياتُها في الحراك الشعبي من منظور أنثوي". اعتبرت محمدي أنه لا معنى للحديث عن الحرية والديمقراطية في مجتمع ما إذا كان نصفه "مُستعبَداً" ويعامَل على أنه مواطنٌ من الدرجة الثانية، مضيفةً أنَّ "قضية المرأة هي بالضرورة قضية الرجل الثوري". الرابط بين الطرفين، حسب قولها، هو الدفاع عن الحرية ورفض الظلم، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً.

من جهتها، اعتبرت الكاتبة وأستاذة فلسفة التاريخ والفلسفة السياسية، خديجة زتيلي، في مداخلتها التي حملت عنوان "من تأنيث المكان إلى أنسنته: نحو دولة مدنية ديمقراطية" أن أبرز ما يُلاحظ في الحراك الشعبي هو الخروج من حالة الثنائيات المهيمنة؛ مثل المركز والهامش، والرجل والمرأة، مضيفةً أن مشاركة المرأة البارزة فيه حرّرت الشارع من رؤية كانت - إلى وقت غير بعيد - تعتبره فضاءً خاصّاً بالمذكّر.

بالنسبة إلى زتيلي، فإن "المساواة بين الجنسين تضمن مجتمعاً أكثر إنسانية"، وأن المشاركة الفعلية للمرأة في كلّ جوانب الحياة وفي مراكز صنع القرار ضرورية في أيّة محاولة للانتقال إلى دولة المستقبل التي سمتها الحداثة، وهي - تضيف - الدولة المدنية التي تُعدّ من أبرز مطالب الحراك الشعبي.

وتحت عنوان "الأنثوي والثورة الناعمة"، تطرّقت أستاذة الفلسفة المعاصرة، فايزة بغياني، إلى مشاركة المرأة في الحراك ودورها فيه، معتبرةً أن "النساء اللواتي شاركن، بقوّة، في المظاهرات الحالية استلهمن الروح الثورية للمرأة الجزائرية التي حاربت المستعمر إلى جانب الرجل، ثمّ أدّت دوراً محورياً في التغييرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد".

تُشير بغياني إلى أنَّ "للمرأة الجزائرية خصوصية تتمثّل في جعلها قضية الدفاع عن حرية الوطن أولويتها التي تسبق دفاعها عن حريتها وحقوقها أمام الرجل. وفي الحراك الحالي، وكما في السابق، لم تنتظر من ينوب عنها، بل خرجت إلى الشارع مع الرجل لتدافع عن حقوقهما معاً، ضدّ أصنام السلطة التي يُهيمن عليها خطاب اللاقانون واللاعدالة واللامساواة". وخلصت المتحدّثة إلى أن "إصلاح الوضع العام سيضمن إصلاح وضع المرأة وترميم الهوية الأنثوية، من أجل مستقبل أفضل".

"المرأة.. أبعد من الحراك" عنوان المداخلة الأخيرة التي قدّمتها أستاذة الفلسفة، كهينة بورجي، وتحدّثت فيها عن ضرورة أن يستمرّ حضور المرأة في المشهد الاجتماعي والسياسي بعد الحراك؛ حيث تساءلت: "كيف يُمكن تحويل الشعور الحالي، الذي يطبعه الكثير من الحماس، إلى دينامية متواصلة في بناء المجتمع الجزائري؟ وكيف نترجم هذه المشاركة النسوية القوية إلى أداة قوية للتغيير؟ وكيف نتأكّد أنها ليست حركة مؤقّتة، وأن بإمكانها الإسهام في إحداث إصلاح حقيقي للمجتمع". تعتبر بورجي أنّ "أيّة مخاضات لنظام سياسي ومجتمع جديدين يجب ألا يتمّا بمعزلٍ عن إعادة تفكير جذرية في وضع المرأة الجزائرية".

يُذكر أن "الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية"، التي تأسست عام 2012 وتضمّ عدداً من الأكاديميّين والباحثين الجزائريين في الفلسفة، دأبت منذ أسابيع على تنظيم ندوات حول قضايا مرتبطة بالحراك الشعبي الذي دخل شهره الثالث قبل أيّام، بمشاركة باحثين من جامعات جزائرية وأجنبية. "الحراك ودولة المواطنة" هو عنوان الندوة المقبلة التي تُقام يوم غدٍ السبت في الجزائر العاصمة. فهل هذا التنشّط انعكاس للروح الجديدة التي تسود الجزائر مؤخّراً، وهل ينجح في لعب دور، على مستوى الاقتراح مثلاً، في مسارات الجزائر المفتوحة على احتمالات شتّى؟

المساهمون