"المرأة الخارقة" في الجزائر: أشباح التطبيع

07 يونيو 2017
+ الخط -

لا يُخفي الشارع الجزائري حساسيته من كلّ ما هو إسرائيلي؛ بدءاً بالسياسي، ووصولاً إلى الثقافي والفني. حساسيةٌ تتجلّى في الرفض الشعبي والرسمي لكلّ أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

مؤخّراً، شنّ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملةً لمنع عرض فيلم "المرأة الخارقة" (2017)، لمُخرجته الأميركية، باتي جينكينز (1971)، في الجزائر، بسبب مشاركة ممثّلة إسرائيلية فيه.

وندّد الناشطون، الذين أطلقوا على حملتهم شعار "المرأة الخارقة.. لا، ليس في الجزائر"، بعرض "فيلم تشارك فيه ممثّلة إسرائيلية تباهت بجرائم إسرائيل في حربها الأخيرة على غزّة"، مذكّرين بأن العرض يتزامن مع الذكرى الخمسين لاحتلال القطاع.

كان من المقرّر عرضُ الشريط بعد غدٍ الخميس، في إطار فعاليات الدورة الأولى من "ليالي السينما"، التي تُقام في الجزائر العاصمة، بين الأول والرابع والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، قبل أن يجري إلغاء العرض.

لم تُعلن مؤسّستا "فنون وثقافة" و"أم أدي سيني" لتوزيع الأفلام، المنظِّمتان للتظاهرة إلغاءَ عرض الفيلم، واكتفتا باستبداله بآخر في نسخة محدّثة من البرنامج، ما فُهم أنه استجابةٌ للأصوات التي طالبت بسحبه.

غير أن المنظّمين، نفوا، في تصريحات صحافية، أن يكون لغياب الفيلم عن البرنامج علاقةٌ بالحملة المعارِضة، مؤكّدين أن الأمر يتعلّق، فقط، بما سمّوه "عقبات إدارية في حقوق التوزيع والعرض"، وأن الفيلم سيُعرَضُ بمجرّد تسوية تلك العقبات مع الجهة المنتِجة.


ممثّلة إسرائيلية
تشارك في الفيلم السينمائي الممثّلة الإسرائيلية غال غادوت، التي عُرفت كعارضة أزياء في الكيان المحتلّ، وفازت بلقب "ملكة جمال إسرائيل" عام 2004، قبل أن تظهر في سلسلة أفلام "السريع والغاضب".

وخلال العدوان الصهيوني الأخير على غزّة، وجّهت غادوت تحيةً إلى الجيش الإسرائيلي الذي سبق أن أدّت الخدمة العسكرية فيه، معلنةً تأييدها للحرب التي أودت بحياة أكثر من ألفَي شهيد فلسطيني، من بينهم 600 طفل.

وبسبب مشاركة غادوت، منع لبنان عرض الفيلم مطلعَ الشهر الجاري، في حين يُعرض في بلدان عربية أخرى؛ مثل تونس ومصر والإمارات، بشكل عادي.

ولئن كان تمسّكُ منظّمي التظاهرة السينمائية بعرض الفيلم في الجزائر سيضعُهم، مرّة أخرى، في مواجهة حملات الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يطرح تساؤلاً حول الموقف الرسمي من المسألة برمّتها.

تساؤل يجيب عنه الناطق باسم مؤسّسة "أم أدي سيني"، أمين إيجر، قائلاً إن العمل حصل على ترخيص من وزارة الثقافة لعرضه.

سبق لوزارة الثقافة أن تبنّت مواقف متشدّدة إزاء التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. والمؤكّد أن الترخيص، الذي تكون قد منحته للفيلم، يكشف عن غياب معيارٍ واضح لتصنيف الأعمال الفنية ضمن خانة المطبّعة: فهل يتعلّق الأمر بالأفلام التي ينجزها مخرجون إسرائيليون، والتي تشارك دولة الاحتلال في إنتاجها، أم أن الأمر ينسحب أيضًا على الأفلام التي يُشارك فيها ممثّلون إسرائيليون؟


تطبيع فردي
ليست هذه هي المرّة الأولى التي تُثار فيها مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني من بوّابة السينما؛ إذ سبق للمخرج الفرنسي الجزائري جان بيار ليدو أن زار إسرائيل مرارًا، وعرض فيها أفلامه التي أُنتج عدد منها بتمويل جزائري.

وفي نهاية 2015، أثار المخرج الجزائري المقيم في فرنسا، مرزاق علواش، جدلاً بسبب مشاركته في الدورة الثامنة والستّين من "مهرجان لوكارنو السينمائي" في سويسرا، والذي أُقيم بالشراكة مع وزارة الخارجية الإسرائيلية، وشهد مقاطعة واسعة من سينمائيين عرب وأجانب.

بعدها بأسابيع قليلة، عاد علواش ليشارك بفيلمه "مدام كوراج" (2015) في فعاليات الدورة الواحدة والثلاثين من "مهرجان الأفلام الدولي" في مدينة حيفا المحتلّة، بعد أن شارك فيه سنَتي 1994 بفيلم "عمر قتلاتو" و1998 بفيلم "الجزائر بيروت".

أُدرج "مدام كوراج" في برنامج المهرجان تحت القبّعة الفرنسية. غير أنه أُنتج بشراكة جزائرية فرنسية، وشاركت وزارة الثقافة الجزائرية بجزء من ميزانيته، كما أنّه صُوّر في مدينة مستغانم غرب الجزائر.

حينها، اعتبر علواش أن "مشاركة فيلم ما في أي مهرجان، حتى وإن كان إسرائيليًا، لا تُلزِم الجزائر". فردّت وزارة الثقافة مندّدة بالمشاركة، وواعدةً بإدراج مادة تتيح لها حقّ منع الأفلام التي تموّلها من المشاركة في بعض المهرجانات، بغضّ النظر عن نسبة التمويل.

الموقف ذاته اتخذته حين أعلن المخرج إلياس سالم، في السنة ذاتها، مشاركة فيلمه "الوهراني" (2015) في "مهرجان البحر المتوسّط" في إسدود، حيث اعتبرت أن ذلك يتنافى والموقف الرسمي الجزائري، ما دفع بالمخرج إلى سحب فيلمه من المهرجان الإسرائيلي.

المساهمون