"المجتمع الشامي في العصر المملوكي": علماء وحرافيش

04 ابريل 2019
مبانٍ من العصر المملوكي تعرّضت للقصف، حلب (عمر صناديقي)
+ الخط -

لم تحظ العلاقة بين المماليك والشعوب التي حكموها، في مصر وبلاد الشام خاصة، بقراءات معمّقة حيث اختصرت في القمع الذي يمارسه الحاكم على المحكوم. هذا الاختزال لا يتيح فهم تفاصيل كثيرة حول العصر المملوكي، مثل تقسيم طبقات المجتمع وصلاتها بالسلطة، وتوزيع الأدوار وتعاملها في ما بينها.

في كتابه "المجتمع الشامي في العصر المملوكي" الصادر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون"، يدرس الباحث الأردني عودة رافع الشرعة الأطراف الفاعلة في العصر المملوكي وتركيبتها الاجتماعية ومظاهر نفوذها، موضّحاً كيف ظلّت العلاقة متذبذبة بين الرضا والسخط في علاقة كلّ طرف مع السلطة.

يعرض الكتاب كيف شكّل المماليك منذ العصر العباسي القوة الأساسية في الجيش الإسلامي، وازداد عددهم وتعاظم دورهم وأقطعت لهم أراضي كثيرة حتى أصبحوا قوة تتحكم في مقدرات الأمور في الدولة الأيوبية، التي ورثوا عنها نظام الوقف فطوّروه من أجل تحقيق مصالحهم كوسيلة يدعمون ويثبتون به حكمهم ويكسبون العامة إلى جانبهم.

تنوّعت الأوقاف في بلاد الشام بين بيمارستانات (مستشفيات) ومدارس وزوايا وخانقوات، حيث كان المماليك يعتنون إلى حد كبير بالناس، في بداية حكمهم خصوصاً، أو حين تمرّ البلاد بقحط أو ظروف قاسية، لكن ذلك لم يحل دون تعسّف بعض السلاطين والولاة أحياناً عديدة.

أتاحت بنية النظام هذه بقاء طبقات كان لها دورها في عهود سابقة وعلى رأسهم العلماء الذين وصلوا فيها إلى مكانة رفيعة، وكانوا يُعفون من عادة تقبيل اليد أو تقبيل الأرض التي يقف عليها السلطان أو كبار الأمراء، وتراوحت مرتباتهم الشهرية بين 20 و500 درهم شهرياً، إلى جانب مخصّصاتهم من الطعام والصوف وأعطيات وما يردهم من وقفهم على التدريس.

يفصّل الكتاب مراتب العلماء وتفاوت مكانتهم من القضاة والمدرّسين وطبيعة أعمالهم وزيّهم الخاص الذي تميّزه العمامة وكانوا ينتسبون إليها بنعتهم بـ"المعممين". كما كان المماليك يعتمدون عليهم ليجيزوا شرعية الضرائب التي كانت تفرض على الأحياء التي تكرر معارضتها للنظام وجبايته، لكن بعضهم عارض مصادرة الأراضي ووقف إلى جانب المتمردين أحياناً كما ابن خلكان الذي تمّت استمالته مرّة أخرى، وهكذا ظلّت العلاقة تسوء وتتحسّن بحسب الظروف.

لم تختلف أوضاع المتصوّفة في العصر المملوكي حيث ألحقت بزواياهم حمامات ومطابخ ومدافن ومدت أرضياتها بالفرش وآلات النحاس والقناديل وغيرها من الأدوات النفيسة التي لا يقتنيها إلا الملوك والأمراء، وهكذا نال المماليك في مناسبات عديدة تقدير العامة لعوامل تتعلّق بالاعتقاد بقدراتهم الخارقة إضافة إلى إحسانهم للفقراء والمحتاجين.

يقف الشرعة عند التنظيمات الشعبية التي برزت في تلك الفترة والمقصود فيها الحرافيش الذين انخرط جزء منهم في الحركات الصوفية لكن جزءاً آخر شكّل قوة تحمل السلاح وتعيش على السلب والنهب تميّزت يالتنظيم واستغلال الأوضاع السياسية المضطربة.

ساند الحرافيش السلطة في بعض المحطّات حين كانت تتعرّض إلى خطر أجنبي لقاء مكاسب مادية كما فعلوا في مواجهة المغول والفرنجة، مع إيراد مصادر تاريخية عديدة أنهم حين رأوا الغلبة بجيش المغول في إحدى المعارك عادوا وانقلبوا على جيش المسلمين وقاموا بسرقة مؤونته.

من جهة أخرى، تذكر المصادر أيضاً أنهم تجرّؤوا على أحد الأمراء في مدينة دمشق المعروف بابن النشو وقاموا بقتله وإحراقه، وكان السبب على ما يبدو احتكاره للغلال رغم حاجة الناس إليها، وتكرّر الأمر في مرات مماثلة، لذلك تحالفوا مع الأهالي في وقت الأزمات خاصة ودافعوا عنهم.

يشير الكتاب إلى ظهور الزعر أيضاً في القرن الرابع عشر، حيث تسلّط كثير من العبيد والغلمان بانضمامهم للزعر حتى سفكت بينهم الدماء ونهبت الحوانيت وكانوا حالة مقلقة للمجتمع الدمشقي، غير أن المؤرخين لا ينفون أن الغلاء وتضرّر الصناعات والزراعة ساهما في ظهورهم وفساد الحكم.

يخلص الشرعة إلى أن المماليك يحسب لهم أنهم هزموا المغول والفرنجة، لكنهم شكلّوا طبقة عسكرية حاكمة مغلقة عن السكان، وحافظوا على علاقة جيدة مع العامة في بداية عهدهم ثم انقلب الأمر إلى جور وتعدٍ، ما انعكس على طبيعة الطبقات المتحالفة معهم خاصة العلماء الذين تذبذبت مواقفهم، كما برزت تنظيمات شعبية نزعت إلى الفوضى والشغب كردّة فعل على ظلمهم.

المساهمون