"المازوت العرعوري" يحرق أطفال سورية

29 نوفمبر 2018
مدفأة المازوت... هذا ما يملكونه (أنس الدمشقي/ الأناضول)
+ الخط -
"عمّو، بدي شوف حالي بالمراية كرمال الله... عمّو، ممكن يصير وجهي طبيعي مثل الأطفال ويرجع شعري؟". وتأتي الإجابة "نعم حبيبتي... رح ترجعي حلوة ويرجع شعرك". ويستذكر مدير دار الاستشفاء بالريحانية، ياسر السيد، حالة الحروق الأولى التي وصلت إلى المستشفى الواقع عند الحدود التركية السورية، وكيف حاول أن يداري دموعه عن الصغيرة إسراء.

حروق الفتاة كانت نتيجة قصف للطيران السوري على دير الزور (شرق)، في عام 2015، بحسب ما يوضح السيّد، مشيراً إلى أنّ الأمر تكرر مرّات ومرّات. والسيّد ساهم في نقل 22 من الأطفال المصابين بحروق إلى الولايات المتحدة الأميركية بهدف تلقي العلاج، قائلاً إنّ "إصابات هؤلاء تلك كانت بليغة وتستوجب جراحة وترميماً بتكاليف عالية. فالإجراءات العلاجية كانت تبدأ من 50 ألف دولار أميركي وتصل في بعض الحالات إلى نحو نصف مليون دولار. وقد تكفلت مستشفيات تركيا وأهل الخير ببقية الحالات".




يروي السيّد لـ"العربي الجديد"، أنّ "تركيا راحت تستقبل الأطفال المصابين بحروق من جرّاء قصف الطيران منذ عام 2013 وحتى العام الفائت، وتستقبل كذلك إصابات من جرّاء المازوت المستخدم للتدفئة والمكرّر يدوياً والذي يُسمّى في مناطق شمال غرب سورية (ريف حلب ومحافظة إدلب)، التي تقع خارج سيطرة النظام السوري، المازوت العرعوري". يضيف أنّهم كانوا يستقبلون "الأطفال المحروقين الذين تسببت لهم حروقها بتشوّهات، ثمّ تُحوَّل حالات إلى مستشفيات تركية تتكفل بالعلاج، سواء مباشرة أو عبر فاعلي خير. وتبقى الحالات الخطرة التي تكون كلفة علاجها باهظة في حال تمّت في مستشفيات تركية خاصة، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التواصل مع مؤسسات ومراكز عالمية، أبرزها مؤسسة إغاثة الأطفال المصابين بحروق في الولايات المتحدة". ويشرح السيّد أنّ "المؤسسة هي منظمة سورية تُعنى بالأطفال المصابين بحروق، وهي تتلقّى صور المصابين مع تقارير طبية حول حالة كلّ واحد منهم، ليُصار بالتالي إلى اختيار بعض الحالات، بعد عرضها على أطباء ومستشفيات أميركية تتكفل بالعلاج والترميم والتجميل". ويتابع: "بعد ذلك، تُستصدَر بطاقات تركية للأطفال لنقلهم من إقليم هاتاي الحدودي إلى إسطنبول، ونجهّز بالتوازي الأوراق الطبية الخاصة بهم ومستندات الإقامة قبل أن تُحجز بطاقات الطائرة لسفر هؤلاء الأطفال، لتتكفل بعدها المنظمات بالعلاج والاستشفاء".

وفي حين يقدّر السيّد عدد الأطفال المصابين بحروق في سورية بالآلاف، لا تتوفّر إحصائية سورية ولا عالمية في هذا الإطار، لكنّ تجدر الإشارة إلى أنّ الحروق خلال العامَين الأخيرين نتجت بمعظمها عن وسائل التدفئة البدائية. وتفيد مصادر خاصة "العربي الجديد"، بأنّ "نحو 200 طفل سوري مصابون بحروق في تركيا اليوم، ينتظرون العلاج"، غير أنّ المنظمات الدولية لم تحصِ عدد الأطفال المصابين بحروق أو مبتوري الأطراف. ويتوقّع السيّد "زيادة إصابات أطفال مناطق شمال سورية بحروق من جرّاء التدفئة هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار المازوت (الليتر الواحد بنحو 250 ليرة سورية، أيّ ما يعادل 0.50 دولار أميركي) وكذلك حدّة الفقر، وبالتالي لجوء السوريين في تلك المناطق إلى التدفئة بالمازوت العرعوري المكرّر يدوياً أو بالحطب والمخلفات البلاستيكية".

من جهته، يقول المتخصص في شؤون النفط، عبد القادر عبد الحميد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوقود المستخدم في مناطق إدلب وريف حلب التي تقع خارج سيطرة النظام السوري، تبعث غازات حمضية وزيوتاً تلتصق بالجسم في حال تعرّضه إلى حروق، وتساهم بشكل كبير في حدوث تشوّهات عميقة يصعب علاجها". يضيف أنّ "عملية تكرير المازوت تكون بدائية ولا يمكن خلالها فصل المشتقات النفطية عن بعضها البعض. بالتالي فإنّ المازوت المستخدم للتدفئة يحتوي على البنزين والكيروسين اللذَين يُعَدّان مادتَين سريعتَي الاشتعال والانفجار".

في سياق متصل، تعاني مدن شمال غرب سورية التي تقع خارج سيطرة النظام السوري، من قلّة المستشفيات، فلا يوجد سوى مستشفى واحد متخصص في الحروق وهو مشفى أطمة (ريف إدلب)، بحسب ما يشير طبيب الأمراض الجلدية المتخصص في الحروق، إبراهيم شحود، لـ"العربي الجديد". ويقول شحود الذي يعالج إصابات الحروق في المركز الصحي الرابع في الريحانية، إنّ "السبب الأبرز لكثرة الحروق ناجم عن استخدام مواد التدفئة غير الآمنة وغير الخاضعة للرقابة، وذلك بعدما تراجعت الإصابات الناجمة عن قصف الطيران منذ وقف إطلاق النار في إدلب وريف حلب قبل أشهر".




ويشير شحود إلى أنّه "في أواخر فصل شتاء العام الماضي، استقبلت أربعة أطفال مصابين بحروق من بلدة واحدة هي سرمين في ريف إدلب، وكانت نسب حروقهم تراوح ما بين 30 و50 في المائة، وكلها في الجزء العلوي من أجسادهم، أي حروق في الوجه وفي الأطراف العلويّة". ويوضح أنّ "الحروق عادة تراوح ما بين بسيطة ومتوسطة وشديدة. وكلّ حرق دون 20 في المائة يكون بسيطاً، في حين أنّ كلّ حرق فوق 60 في المائق يكون مميتاً عادة". ويتابع شحود أنّه "لا إحصاءات متوفّرة حول عدد إصابات الأطفال بحروق، في حين لا تتوفّر مستشفيات متخصصة في الداخل السوري الذي يقع خارج سيطرة النظام السوري، سوى مشفى أطمة على الحدود السورية التركية والذي يقدّم العلاج والإسعافات الأولية في حال كانت الحروق دون 20 في المائة. وفي الحالات الأخرى، يُحوَّل المصابون إلى مستشفيات تركية في أضنة وأنقرة وإزمير متخصصة بحالات كهذه. أمّا إذا كانت الإصابات والتشوهات بليغة وتؤثر على الجهاز الحركي، فيُنقَل المصاب عادة إلى خارج تركيا".
دلالات