"الكعيدي"... أمنية شبان عراقيين

09 يوليو 2018
هل هو "كعيدي" أيضاً؟ (صافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد "الكعيدي" شخصاً ينظر إليه بانتقاص واحتقار من قبل العراقيين مثلما كان الحال قبل سنين، بل إنّ طموح الكثيرين يتمثل في أن يتحولوا إلى "كعيدية" إذ سيجدون في أقل الأحوال سكناً جاهزاً.

المجتمع في العراق تأثر بطبيعة الحال بعادات توارثها عن الأسلاف، ومنها أن يتحمل الرجل تكاليف زواجه وتأسيس بيت الزوجية، ومن المعيب أن يدفع أهل الزوجة أيّ تكاليف إلاّ على سبيل تقديم الهدايا. بذلك، كانوا يطلقون على من يسكن في بيت عائلة زوجته لقب "كعيدي" وجمعه "كعيدية" وهي كلمة محلية مشتقة من الكلمة العربية الفصيحة "القُعُود". ويقصد العراقيون أن يقعد الزوج في بيت أهل زوجته، بمعنى السكن معهم.

يقول الثمانيني عباس الزهيري، الذي كان مختاراً في حي الكرخ ببغداد في ثمانينيات القرن الماضي، إنّه لم يعترض حين اختار حفيده الذي تزوج قبل عام، أن يكون "كعيدياً"، بل رحب بالخطوة، مخالفاً بذلك رأيه الذي كان يتزمت به في السابق. في حديثه إلى "العربي الجديد" يشير الزهيري إلى أنّ كثيراً من العادات بدأت تنتهي في البلاد، مبيناً أنّ السبب يعود "للانفتاح أكثر على العالم، والأهم هو بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، وضغوط الحياة وصعوبة تكوين بيت الزوجية للمقبلين على الزواج".

يؤكد الزهيري أنّه "في خمسينيات القرن الماضي خاصمت أحد أعز أصدقائي، كونه سكن في بيت عائلة زوجته... وعلى الرغم من أنّه كان معذوراً لكون زوجته تعيش مع أمها فقط، وكان من الخطأ أن تبقى سيدة مسنة في الدار من دون رعاية، لكنّ تسمية كعيدي حينها كانت معيبة جداً". كثيرون يتحسرون على تلك التقاليد التي تشير إلى أنّ المجتمع كان يعيش حالة يسر، فمن السهولة أن يعتمد الشاب على جهوده الذاتية لتكوين مستقبله وبناء بيت الزوجية الذي لن يأخذ منه وقتاً طويلاً، وهو ما يؤكده الزهيري.



لكنّ تقاليد متوارثة ومنها "الكعيدي" تثير ضحك واستهزاء الشباب العراقيين اليوم، فهم يستغربون تلك الوصمة التي يعتبرونها "فرصة عيش كريم على طبق من ذهب" بحسب فارس جمعة، الذي يتمنى أن يكون "كعيدياً". جمعة الذي بات في الأربعين منذ شهور قليلة يقول لـ"العربي الجديد" إنّه بالرغم من عمله في وظيفة حكومية، فهو يشتغل في المساء بائعاً للخضر في سوق شعبي، مبيناً أنه يساعد والده في الإنفاق على عائلته. يتابع: "ظروفي صعبة جداً، لا أستطيع أن أترك عائلتي تعاني، فوالدي متقاعد وهو ذو إعاقة حركية إثر حادث دهس.

يساعدني أيضاً في الانفاق على أسرتنا شقيقي الذي تخرج من الجامعة قبل عامين ولم يجد وظيفة حتى اليوم، ونعمل معاً في بيع الخضار. لديّ ثلاث أخوات ما زلن طالبات في الجامعة وبيتنا صغير لا يتسع لكي أسكن فيه مع زوجتي إن تزوجت، ولا أملك ما يساعدني في تأسيس بيت زوجية". يضيف: "أن أكون كعيدياً أصبحت أمنية لديّ، حينها سأنفق على أهلي من عملي، وسأسكن في بيت عائلة زوجتي".

في المقابل، تحاول عائلات كثيرة تزويج بناتها خوفاً عليهن من العنوسة، فتعمل على مساعدة الشاب الذي يتقدم لخطبتها.



تقول راضية سعيد إنّ زوج ابنتها سعيد جداً بالعيش معهم، وتؤكد: "لا توجد أي مشكلة في الأمر. نحن سعداء بذلك". توضح لـ"العربي الجديد" أنّها ستكون مرتاحة حين تموت، فقد تمكنت من تزويج ابنتها الوحيدة إلى شاب جيد. تضيف: "لديّ ثلاثة أولاد وبنت واحدة، وأملك بيتاً واسعاً ورثته من زوجي المتوفى، فعملت على تقسيم المنزل وتحويله إلى أربعة بيوت، وأعطيت أولادي وابنتي حصصهم. تقدم كثيرون لخطبة ابنتي، حتى وافقت على أحدهم بعدما أعجبت بأخلاقه، وها هو اليوم يعيش في بيت ابنتي. الكثيرات يتمنين أن يكون لديهن إمكانية فيزوجن بناتهن لكعيدي، لينقذهن من العنوسة".
المساهمون