"الكردستاني" عراقياً: "ضيف" جديد لإقامة طويلة

02 مارس 2015
خشية كردية من تغلغل "الكردستاني" بالعراق وسورية(أريس ميسنس/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن حزب "العمال الكردستاني" يتوقع أن ينزل مقاتلوه من الجبال العراقية التركية الإيرانية، التي يتحصنون فيها منذ ثلاثة عقود، إلى السهول المكشوفة لخوض حرب جديدة ضدّ مسلّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية؛ حربٌ استنزفت العشرات من مقاتليه، وأفقدته جزءاً من ترسانته العسكرية، التي كانت تمثل مشكلة لتركيا تؤرق سياسييها وقادة جيشها على حد سواء.

ويراقب أكراد العراق بقلق دخول مقاتلي "الكردستاني" إلى الإقليم المستقر نسبياً، ويعتبرونه بداية تغلغل للحزب الذي ظل لسنوات طويلة، ممنوعاً من دخول مدن الإقليم الكردي، ووجد في "داعش" فرصة لذلك.

الحرب على "داعش"

لقد تمرّس مقاتلو "الكردستاني" وكسبوا خبرة في القتال ضدّ الجيش النظامي بعد مقاتلة الجيش التركي خلال السنوات الماضية، إلا أن قتال عدو انتحاري على غرار "داعش" يعد أمراً جديداً على مقاتلي الحزب، ويضيف إلى تجربتهم المسلّحة، بقدر الخسائر التي يكبدونها في المواجهات. ودعا أحد أكبر قادة الحزب، مراد قريلان، منذ بدايات المعركة مع "داعش"، في يوليو/تموز 2014 ، المناطق الكردية إلى إنشاء قيادة كردية موحدة لقتال "داعش".
ومنذ ذلك الوقت، يتوزع ما بين 300 إلى 400 من عناصر "العمال الكردستاني"، على عدد من محاور القتال في كركوك، لمحاربة "داعش". غير أنّ هذه المشاركة تظل ذات تأثير محدود، لأن طول الجبهة التي يقاتل الأكراد عليها مسلّحي "داعش" في العراق تزيد على ألف كيلومتر.

وفي حين يقول حزب "الكردستاني" إن مشاركته في القتال كانت فعالة وساهمت بعدم سقوط العديد من المناطق، ينفي الأكراد العراقيين هذا الدور الحاسم في المعارك. وبحسب مصادر محلية كردية، فقد خسر الحزب العشرات من مقاتليه، بينهم نساء، خلال الحرب التي خاضها في الأشهر الثلاثة الماضية، ضدّ تنظيم "داعش". ويقدّرون بنحو 300 مقاتل، وهي خسارة تفوق خسارته في سنوات طويلة من حروبه مع الجيش التركي. كما أنّه فقد معدات عسكرية وأسلحة استقدمها من مقراته ومعسكراته الرئيسة في سفوح جبال قنديل، وهو ما يشير إلى أن الحزب دخل حرب استنزاف، قد تنهي عامل قوته العسكرية مع نهاية صفحة "داعش"، خصوصاً مع إصراره على مواصلة القتال.

خشية كردية من "الكردستاني"

يقول البرلماني الكردي من الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، شوان محمد، "نحن لا نتعامل مع وجود حزب "الكردستاني" كغرباء، بل ندعمهم في الجانب المتعلق بالمطالبة بحقوق الأكراد في تركيا، وندعم بقوة عملية السلام وحل القضية الكردية. ووقفنا مع مدينة كوباني (عين العرب) في سورية ولا نزال نفعل ذلك، بالمقابل وقف الكردستاني معنا في قتال داعش". وأضاف: "لكن، لنا في إقليم كردستان خصوصية. نحن نحترم الآخرين ولا نتدخل في شؤونهم إلا لتقديم الدعم، وعليهم ألا يتدخلوا في شؤوننا".

غير أنّ الكاتب السياسي الكردي المتخصص في شؤون "الكردستاني"، ريبوار كريم، قال لـ "العربي الجديد"، إن "العمال الكردستاني عنصر غريب تم زرعه في العراق، وهو غير طبيعي، لأنه لو كان غير ذلك لتمكن من الفوز بأية نسبة كانت في الانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجالس المحافظات العديدة التي جرت في العراق، خصوصاً في إقليم كردستان منذ عام 2003".

بدوره، يقول عبد السلام برواري، وهو سياسي وعضو في حزب البرزاني، إن "الكردستاني" بات يخلق المشاكل في إقليم كردستان العراق، منذ ترك ساحته الرئيسية في تركيا وبدأ بالتوغل في العراق وسورية، وأنشأ فروعاً محلية.

السلام

بالنسبة لمسألة السلام مع تركيا، لا يزال يكتنفها غموض من وجهة نظر كردية عراقية. يرى الكاتب السياسي الكردي ريبوار كريم، أن "توجه حزب العمال الكردستاني للعمل وفي وقت واحد في العديد من الساحات والدول والإمساك بملفات كثيرة، يشتت جهوده ويضعف من فرص تحقيق النجاح في قضية السلام ومعالجة القضية الكردية في تركيا". ويضيف أن وضع عملية السلام ومعالجة القضية الكردية في تركيا "ضبابي، ويكاد يسير في حلقة مفرغة، فلا حزب "العمال الكردستاني" يريد أن يتخلى عن سلاحه بلا شروط وضمانات، ولا أنقرة تُقدم على خطوات جريئة تتعدى امتياز السماح بالبث باللغة الكردية في تركيا لإقناع "الكردستاني" بنوايا الحكومة الحسنة في موضوع السلام".

وتابع "ربما أراد الطرفان استمرار هذا الإيقاع لعملية السلام، لأنهما قادران على التعايش معه لفترة أخرى، إلى حين يقرر "الكردستاني" القبول بنزع سلاحه بعد حصوله على امتيازات من أنقرة"، مشيراً إلى أنّه ربما إغراءات اللغة الكردية لم تعد كافية لـ"الكردستاني"، في ظل التغيرات الإقليمية الحالية.

واتضحت خلال السنوات الأخيرة خطط "الكردستاني" في التوسع والانتشار في العراق وسورية، فانشأ حزباً اسماه "الحل" وخاض منافسة على الانتخابات عدة مرات على صعيد العراق وفي إقليم كردستان. غير أنه لم يحصد أصواتاً تذكر. ولكن في سورية، نجح الحزب عبر فرعه السوري "الاتحاد الديمقراطي" في السيطرة على كامل المناطق الكردية في سورية. وأعلن عن تأسيس إدارات ذاتية، وقسّم المناطق الكردية على ثلاث مقاطعات "كانتونات". إضافة إلى أن الحزب يملك ذراعاً إيرانية أطلق عليها "PJAK"، إلا أنها لم تثبت حتى الآن فعالية تذكر وتأثيراً على الأرض داخل إيران.

تطور الحزب

تأسس "العمال الكردستاني" في نوفمبر/تشرين الثاني 1978، كحزب يساري ماركسي لينيني. غير أن اسمه لم يبرز إلا بعد عام 1984، عندما قرر حمل السلاح وقتال الجيش التركي. وقد استقطب الكثير من العمال والفلاحين الكرد إلى صفوفه. ومنذ تلك الفترة وحتى الآن، سقط في النزاع بين "الكردستاني" والحكومة التركية، أكثر من 40 ألف شخص. حمل الحزب في بداية مشواره شعار تأسيس دولة كردية، ثم تخلى عن ذلك لصالح المطالبة بحقوق ثقافية وسياسية للأكراد في تركيا. اعتُقل مؤسسه عبد الله أوجلان في 15 فبراير/شباط 1999، وتم إيداعه السجن في جزيرة أمرالي، لتتراجع مع الاعتقال هجمات "الكردستاني".

بدأ الحزب بالعمل في داخل تركيا، ثم انتقلت قيادته ورئيسه عبد الله أوجلان إلى سورية، حيث جرى ما يشبه الصفقة لتبادل المنافع مع النظام السوري. وقام الحزب بناء عليها بضبط أكراد سورية وفق أهواء النظام السوري، الذي عمل في المقابل على دعم الحزب في مجالات التدريب والتسليح والعلاقات. وبسبب متانة العلاقات بين دمشق وطهران، استغلت العاصمتان "العمال الكردستاني" كورقة ضغط على تركيا وأكراد العراق، خصوصاً مسعود البرزاني وحزبه "الديمقراطي الكردستاني".

وعندما هدّدت أنقرة سورية في عام 1999 على خلفية إيواء ودعم "الكردستاني" وزعيمه، اضطرت دمشق الى إبعاد أوجلان، فسارع بعدها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إلى احتضان عناصر الحزب الموجودين في العراق، وسمح بفتح عدد من مقرّت الحزب، رغبة منه أيضاً في استغلالهم كورقة ضغط ضدّ تركيا. وظلت مقرات "الكردستاني" مفتوحة في عدد من المدن العراقية مثل الموصل إلى حين سقوط المدينة بيد مسلّحي "داعش" في يونيو/حزيران 2014. وسهل هذا الوجود لهم في مدينة الموصل حصول الحزب فيما بعد على موطئ قدم في مدينة سنجار الاستراتيجية على الحدود بين العراق وسورية في أغسطس/آب الماضي.