"القنابل العمياء" تفاقم معاناة سكان سراقب وتعطّل حياتهم

23 مايو 2019
قصف ودمار للمنازل (تويتر)
+ الخط -
عاد القصف ليطاول مدينة سراقب في ريف إدلب، ويشعل من جديد مخاوف سكانها ويعطل حياتهم، ليصبح شغلهم الشاغل هو البحث عن سبل قد تجنبهم القنابل العمياء التي يرميها الطيران، وسط مخاوف مما ينتظرهم في المستقبل القريب.

وقال عدنان البيش (41 عاما)، من سكان سراقب، لـ"العربي الجديد"، "في مناطقنا نشعر أن الموت يرافقنا في كل خطوة. في الأمس، كان بيني وبين الموت دقائق، فقد مررت من المنطقة التي قصفت قبل نحو ربع ساعة. كلما خرجت من المنزل أودع أطفالي، فقد لا أعود إليهم من جديد".

وأضاف "اليوم لم نخرج من المنزل، ولا أعلم إلى متى يمكن البقاء فيه، وإن لم أذهب إلى العمل فلن أجد ما أطعم به عائلتي، خاصة أن الأسعار ترتفع يوما بعد آخر".

ولفت إلى أن "فكرة النزوح من المدينة حاليا مستبعدة، فلا إمكانية مالية لأنقل عائلتي، ولا أن أستأجر منزلا لهم في الشمال، بعدما أصبح إيجار المنزل أكثر من 300 دولار أميركي، وحتى المخيمات لا يوجد متسع فيها، والناس تعيش في العراء".

من جانبها، تساءلت أم محمد جابر، نازحة من ريف حلب إلى سراقب، خلال حديثها مع "العربي الجديد"، "إلى أين يريدوننا أن نرحل، بعد أن شعرنا بشيء من الاستقرار؟ اليوم بدأ القصف على سراقب، وكل ما نخشاه أن لا يتوقف، كما يحدث في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، حتى رحل غالبية أهلها إلى العراء".

وأضافت "القصف يحرمنا من لقمة العيش، فغالبية الأعمال تتوقف، خاصة أن الشباب يعملون باليومية، فاليوم الذي لا يذهبون فيه إلى العمل لا يحصلون فيه على أجر، الأجر الذي بالكاد يؤمّن احتياجات العائلة اليومية، على شرط أن يكون في العائلة أكثر من شخص يعملون".

وتابعت "المساعدات الإنسانية تتراجع يوما بعد آخر، وحتى السلة الإغاثية لم تعد منتظمة، وهي لا تؤمّن كل حاجاتنا".

من جهته، قال الناشط الإعلامي من سراقب، محمود الحيش، لـ"العربي الجديد"، "الوضع دائما بعد القصف يكون مضطربا، هناك خوف وقلق من الأهالي، خاصة عندما يبدو أنه سيتكرر مرة ثانية، لذلك يقومون على الفور باتخاذ إجراءات السلامة وعدم التجمع وتخفيف الحركة داخل المدينة، خاصة بعد استهداف مدينة سراقب بثلاث غارات في أحياء مختلفة، أمس الأربعاء".

وأضاف "الأسواق والأماكن العامة تكون خطيرة الآن، لأن النظام دائما يستهدف هذه الأماكن"، لافتا إلى أن "غالبية أهالي سراقب ليس لديهم ترف الخيارات، فلا يوجد مكان آمن لنا سوى البقاء ضمن المنزل وتخفيف التحركات قدر المستطاع، رغم أننا في شهر رمضان، والناس بحاجة إلى تأمين المستلزمات اليومية والمعيشية".

ولفت إلى أنه "بعد القصف واستهداف المدنيين تصبح الحياة قاسية جدا على الجميع، فيكون الشخص مهددا بالخطر، وهناك فرصة كبيرة لعدم عودته إلى أطفاله، وهذا أصعب شيء يمكن أن يفكر فيه، وهو ما يتسبب في توقف الحياة الطبيعية في المدينة".

ورأى أن "النزوح أصبح موضوعاً صعباً جداً، ومكلفا كثيرا، ولا توجد مناطق آمنة للنزوح إليها، ونحن نشاهد ما يحدث مع الأهالي في ريف حماة وريف إدلب، فالكثير منهم يعيشون بين البساتين الزراعية، ولكن في حال استمرار القصف، قد يضطر المدنيون إلى مغادرة المدينة والعيش بين البساتين هربا من الموت".

من جانبه، قال المسعف أبو أحمد، لـ"العربي الجديد"، "تتوفر في سراقب نقطة إسعاف واحدة هي عبارة عن مشفى، وهناك الكثير من الإصابات التي تتوافد عليها، في وقت تتوفر الأدوية والمستلزمات الطبية بالحد الأدنى. وبالرغم من تواجد كادر طبي مختص، إلا أن حجم العمل أكبر بكثير، ما يجعلهم في أغلب الأحيان يعجزون عند تقديم الخدمة للجميع بسبب عدد الإصابات الكبير، نتيجة القصف على سراقب وريفها بشكل عام، إضافة إلى تحويل حالات حرجة من باقي المشافي في الجنوب مثل مشفى معرة النعمان".

ولفت إلى أنه "غالبا ما يكون عمل الكادر الطبي تطوعيا، بسبب قلة الدعم، واليوم قد يكون المطلب الأبرز هو ضرورة زيادة الدعم للمشفى الوحيد في المنطقة، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المصابين والمرضى".

بدوره، قال قائد الدفاع المدني في شرق إدلب، حسن أبو الفضل، لـ"العربي الجديد"، "لا يوجد حاليا تسجيل حركة نزوح، حيث إن عملية القصف التي جرت يوم الإثنين، هي الأولى منذ نحو 20 يوما، واليوم ما تزال المواد الغذائية متوفرة في الأسواق".

ولفت إلى أن "الحركة في المدينة تراجعت بنسبة 10 في المائة تقريبا، للعديد من الأسباب، القصف أحدها"، معتبرا أن الوضع الإنساني هنا أفضل بكثير من المناطق.

من جهته، قال رئيس المجلس المدني في سراقب، محمود جروت، لـ"العربي الجديد"، "الحركة العامة في سراقب متراجعة عقب عملية القصف يوم الإثنين، إذ سقط 25 شخصاً بين شهيد وجريح، ولم تصل إلى سراقب اليوم الخضر، ما تسبب في ارتفاع الأسعار".

ولفت إلى أن "المجلس مستمر في تقديم الخدمات الرئيسية، كترحيل القمامة، وتوزيع مياه الشرب، وإن كانت هناك معاناة في هذا الجانب بسبب قلة عدد الصهاريج، إذ نحتاج إلى دعم لزيادة عدد صهاريج المياه".


وبيّن أن "هناك غيابا تاما للمنظمات النسائية، خاصة الاستجابة الإسعافية. أمس، تضرر قرابة 30 منزلا إثر القصف، وبجهود ذاتية تمكنا من تأمين وجبات إفطار لأصحابها، كما يوجد لدينا 270 نازحا من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، إلى اليوم لم يتوصلوا بأي نوع من المساعدات، هناك منظمة واحدة تقدم سلالا غذائية بشكل دوري فقط، لكنها لا تغطي الاحتياجات، خاصة عقب حركة النزوح الأخيرة وعمليات القصف".

ولفت إلى أن "عدد سكان سراقب يبلغ أكثر من 60 ألف نازح، يضاف إليهم أكثر من 10 آلاف نازح من مختلف المناطق السورية".