حين أتمّ نديّ شهوره الثمانية عشر، ظنت والدته أنها وجدت الحل الأمثل على غرار معظم العائلات في لبنان. حضانة صغيرة قرب البيت. أرادت أن تقيه شرّ الانتقال بين جدتيه في الضاحية الجنوبية لبيروت وطريق الجديدة بسبب الوضع الأمني غير المستقر.
لم تحسب لطارئٍ ثالث. أن تتناوب الفيروسات جسده الصغير. أسبوعان فقط في الدار الجديدة أدخلته المستشفى المدة نفسها، كاد أن يصل خلالها إلى الموت. لكن الأمر لم يتوقف هنا. عاد ابنها إلى الحضانة. خمسة أيام يقضيها هناك تقابلها خمسة أخرى في البيت. تتكرر الأعراض: ارتفاع في الحرارة، صعوبة في التنفس، التهاب رئوي وغير ذلك.
ظنّ أهله أن ابنهما لا بد وأنه يُعاني مشكلة صحية، قد تكون نقصاً في المناعة، قبل أن يتبين أنها حالة عامة. بات بعض الأطباء يخجلون من الأطفال، الذين يترددون إليهم على الأقل مرة أسبوعياً. ويعترف آخرون بأنها "سنة أطباء الأطفال" من دون منازع. يقول طبيب الأطفال، داني الحامض، إن "هذه السنة ليست طبيعية". ويعزو سبب انتشار الأمراض بكثرة بين الأطفال إلى التغير المناخي بشكل أساسي، بين موجات حر غير مبررة في فصل الشتاء، وقلة الأمطار. وأضاف أن "الفيروسات" ليست قاتلة، لكنها قد تكون كذلك إذا أصابت أطفالاً يعانون مشاكل صحية، كنقص في المناعة أو إعاقات جسدية قد تسبب لهم اشتراكات.
إضافة إلى التغيّر المناخي، تتطرق طبيبة الأطفال، هيلدا شَكَر، إلى مشكلة دور الحضانة. تقول إن "معظم الأهل يضطرون إلى ارسال أطفالهم إليها قبل أن يصحّوا تماماً، نظراً لعدم قدرتهم على التغيّب كثيراً عن العمل، وأحياناً قبل أن يكتشفوا إصابة أطفالهم بفيروس ما، فتنتقل العدوى بين الأطفال بسرعة".
برأي شكر، عاملان أساسيان قد يساعدان على الحد من الفيروسات: "النظافة واللقاحات". وتلفت إلى أنه ليس بالضرورة أن تنتهي هجمة الفيروسات هذه في الصيف، فلكل موسمٍ "فيروساته".
وتتفق شكر والحامض على عدم وجود فيروسات غير مألوفة، بل تنحدر معظمها من الأنفلونزا. لكنها، هذا العام، لم تخجل من الفتك بأجساد الأطفال. أتت بكثرة. هناك فيروس "هاند ماوث آند فوت " (Hand-mouth and foot disease) الذي ينتشر بكثرة بين الأطفال، والجدري، وأنفلونزا الطيور (H1N1)، والتهاب الكبد أ (Hepatitis A)، والصفيرة وغيرها.
لا بيئة حاضنة
ليس العمل بيئة حاضنة دائماً. تحكي ندى عن نظرات صاحب العمل التي "تُحاصرها ما إن تتلقى اتصالاً من الحضانة لاصطحاب ابنها بسبب ارتفاع حرارته وما إلى ذلك". تستغرب الأمر، الذي يتكرر مع أصدقائها أيضاً، وخصوصاً أن "العديد منهم مروا بالتجربة عينها".
كان الشتاء قاسياً بالنسبة إليها. تناوب ولداها على المرض، مما اضطرها إلى التغيب عن العمل بعض الأحيان. وتضيف أن هذه الأمور تضعك من قبل أرباب العمل في خانة "المقصّر"، علماً بأنها تُصادف الجميع، وإن كانت هذه السنة "غير اعتيادية". تسمع بعض العبارات على غرار: "لا داعي للتغيّب إذا كانت حرارة الطفل لا تتجاوز 38.5".
في المقابل، اختارت دانييلا إبقاء طفلتها في البيت مع جدتها حتى انتهى الشتاء.