لم تكد تداعيات حادثة اعتداء المواطن السعودي على طبيب في مجمع الملك فهد الطبي في الرياض، تهدأ، حتى تجدّد الجدال حول ما يتعرّض له الأطباء والأطقم الطبية من اعتداءات. فقد عمد أحد المراجعين إلى إطلاق النار على موظفة استقبال وزميلها في مركز الحبيب الطبي في العاصمة السعودية، الذي لا يبعد أكثر من كيلومترات قليلة عن مجمع الملك فهد.
لم يُكشَف عن سبب الاعتداء، فيما تجدر الإشارة إلى أنّ هاتَين الحادثتَين ليستا من الأمور النادرة في السعودية. وتؤكد دراسة محليّة حديثة أنّ 67 في المائة من الأطباء يتعرّضون للعنف سواء اللفظي أو الجسدي أو كليهما. ويشكو المتحدث باسم مدينة الملك فهد الطبية، مشبب العسيري، التي شهدت أكثر من حالة اعتداء على الأطقم الطبية فيها أخيراً، من كثرة حالات الاعتداء على الأطباء في المراكز الصحية والمستشفيات السعودية في الفترة الأخيرة، مطالباً الجهات الأمنية بوضع أنظمة وحماية للحدّ من ذلك. ويقول: "للأسف في الفترة الأخيرة ثمّة اعتداءات على الأجهزة الطبية في المستشفيات، ولا بدّ من وضع حدّ لها".
تزايدت شكوى الأطقم الطبية من الإساءة لأشخاصهم ومهنتهم، خصوصاً بعدما وصل الأمر إلى الاعتداء بالأسلحة النارية وتعرّض عدد كبير من الأطباء إلى التقليل من قدرهم من قبل بعض المرضى أو عائلاتهم، بنسبة بلغت نحو 67 في المائة. وهذه النسبة هي ضعفَي نسبة حالات العنف التي يتعرّض لها العاملون في المجال الصحي في الولايات المتحدة الأميركيّة على سبيل المثال. ويرجع معنيّون في الشأن الصحي تلك الاعتداءات والتي تكون بمعظمها اعتداءات لفظية، إلى استياء كثيرين من الخدمات الصحيّة والكفاءات التمريضية، ونقص الأسرّة، وتأخّر المواعيد، وانتشار الأخطاء الطبية.
تحاول وزارة الصحة وضع حدّ لهذه الحالات من خلال أنظمة جديدة تُسهّل التبليغ عن الأخطاء الطبية فوراً، وتُسجّل شكاوى المرضى لعرضها مباشرة على الجهات التنفيذية، بدلاً من أن يكون الأطباء والممارسون الطبيون هم الذين مَن يتلقى تلك الشكاوى مباشرة وبطريقة غير لائقة.
ويؤكد طبيب الطوارئ الدكتور سعد الشمري، أنّ الأطباء والممرّضين باتوا هم الذين يتحمّلون قصور الأجهزة الإدارية، ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "لا آليات تضمن حقوق الطبيب في حال تعرّضه لمضايقات أو إساءة من بعض المرضى أو المراجعين. كذلك لا حماية قانونية متخصصة للأطباء عندما يُتّهمون بارتكاب أخطاء". يضيف: "مع أنّ وقوع الطبيب في خطأ طبي أمر طبيعي ويحدث نتيجة تشخيص غير دقيق مثلاً، إلا أنّ الطبيب السعودي لا يملك تأميناً طبياً عادلاً ضد هذه الأخطاء. بالتالي يُمنَع من ممارسة عمله الطبي نتيجة خطأ في التشخيص وليس على خلفية إهمال أو تقصير". ويتابع: "الأهم أنّ ألاف القضايا تُرفَع على الأطباء. وعندما تثبت الجهات المختصة أنّه لم يرتكب أي خطأ، لا يعتذر أيّ كان من الكوادر الطبية التي شُهّر بها في الإعلام".
في سياق متّصل، يؤكد المتخصّص في الشأن الصحي السعودي الدكتور محمد الناجم، أنّ كثرة التركيز على أخطاء الأطباء وتقصيرهم، يخلّف نوعاً من العداء بين المرضى والعاملين في القطاع الصحي، الأمر الذي يجعل الاعتداء سهلاً. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ملفات الهيئات الطبية الخاصة بالتحقيق في شكاوى الأخطاء الطبية، تبيّن أنّ 90 في المائة من تلك الشكاوى غير حقيقية. وعلى الرغم من أنّها تحمل تشهيراً واتهامات، إلا أنّ أيّ غرامة لا تُفرض على مقدّمي الشكوى كتعويض للطاقم الطبي على الأضرار النفسية التي تعرّض لها". يُذكر أنّ "ثبوت الخطأ يعني نهاية مهنة الطبيب أو العامل الطبي".
يتابع الناجم: "للأسف الكلّ يتحدث عن أخطاء من دون دقّة، ويستفيد المريض من مواقع التواصل الاجتماعي في نشر تفاصل الشكوى والواقعة الطبية مدموغة بالاتهام. لكن بعد ثبوت عدم صحة التهم، فإنّ أحداً لا يصحّح المعلومة، الأمر الذي يترك المجال الطبي ضحيّة لسوء الظنّ. لهذا لا يحتمل المريض أيّ شيء ويظنّ أنّ ثمة خطأ استهدفه، فيبادر بالاعتداء على الجهاز الطبي الذي قد يكون أنقذ حياته من دون أن يعلم". ويشدد الناجم على أنّ "العدل يفترض محاسبة الأطباء والممرضين على إِهمالهم، لكن من الظلم الإساءة إليهم والتشهير بهم قبل صدور الإدانة رسمياً، خصوصاً أنّه عندما يثبت عكس ذلك لا تدافع وزارة الصحة عنهم. بالتالي، يظنّ المرضى أنّ كل ما يقال عن الأخطاء صحيح، وأنّ التقصير في كل مكان. فيخرجون عن طورهم، ويقع العاملون في القطاع الطبي ضحيّة لهم".