تثبت وثائق التقرير الخاص لمديرية أمن الدولة حول ملابسات انفجار بيروت، الذي اطلع عليه تحقيق استقصائي نشره "العربي الجديد" أمس، أن الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس الوزراء المستقيل حسان دياب، تلقّيا بشكل خاص رسالة في 20 يوليو/ حزيران الفائت، قبل نحو أسبوعين من الكارثة، تحذّر من ظروف تخزين نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، القنبلة الموقوتة التي ظلّت مزروعة في قلب بيروت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، حتّى انفجرت وأودت بحياة أكثر من 163 حتى اللحظة، وغيّرت مشهد المدينة بالكامل.
ويكتفي "العربي الجديد" بنشر وثيقة واحدة من تقرير مديرية أمن الدولة، حماية لمصدر المعلومات، الذي طلب عدم نشر اسمه. وتؤكّد هذه الوثيقة تلقّي كل من عون ودياب رسالة تحذير خاصة من خطورة نترات الأمونيوم المخزّنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، والتي تهدّد بتفجير المدينة برمّتها.
ويتطرّق نصّ تقرير أمن الدولة إلى تلك المراسلة من دون الحديث عن فحواها، مكتفياً بالإشارة إلى أنه "بتاريخ 20/7/2020 تم إرسال بريد خاص إلى كل من فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء، سجّل تحت عدد 145، مستند رقم (7)". رغم ذلك، تبدو تلك الإشارة بحدّ ذاتها كافية، على الأقل، لدحض محاولات كلّ من عون ودياب رفع غطاء المسؤولية عنهما، بعد أن تعذّر الأوّل بانعدام الصلاحيّات، مكتفياً بالقول إنه وجّه بـ"اتخاذ اللازم" وفقاً للتراتبيّات التي "يجب أن يعرفها الجميع"؛ وبعد أن تحدّث الثاني بنبرة الاتهام المبنيّة للمجهول في خطاب استقالته، رافضاً أن تتحمّل حكومته أخطاء الآخرين، ومنظومة فساد باتت "أكبر من الدولة"، كما قال. أبعد من ذلك، فإن عشرات رسائل التحذير التي يستعرضها تقرير أمن الدولة، والتي جرى تناقلها حول هذه القضية منذ عام 2014 حتى اليوم، مع تعاقب الحكومات والمسؤولين، صغاراً وكباراً، تظهر حجم الاعتلال الهيكلي والإداري الذي يعتري منظومة الحكم في لبنان، والذي قد يفضي إلى عواقب كارثية، كما حصل، بقدر ما يسمح بتقاذف المسؤوليات والتنصل منها من رأس الهرم إلى أدناه؛ كما يمثّل في حدّ ذاته فساداً بنيويّاً يستدعي معالجة جوهرية تحاكي مطالب المتظاهرين بتغيير الطبقة السياسية برمّتها.
وتأتي هذه المعلومات، التي ضمّنها "العربي الجديد" أيضاً في تحقيق استقصائي شامل، أمس، حول ملفّات التحقيق الحساسة التي تبقى حبيسة اللجان، توكيداً لما كانت نشرته وكالة "رويترز"، صباح اليوم، نقلاً عن مصادر أمنيّة لم تسمّها، مستعرضة مسار التحذيرات والمماطلات، بدءاً من إفراغ حمولة سفينة "روسوس" في أكتوبر 2014، ثم تعيين قاضي الأمور المستعجلة خبيراً لتفقّد حمولة الأمونيوم المخزّنة بعد ذلك بنحو أربعة أشهر، وتحديداً في فبراير/ شباط 2015، والذي أوصى بنقلها إلى الجيش اللبناني مشدّداً على خطورتها، قبل أن يرفض هذا الأخير استلامها وأوصى بنقلها إلى شركة المتفجرات الوطنية، التي رفضت أيضاً بدورها تصريف الشحنة.
وتبين الطلبات التي اطلعت عليها الوكالة أن مسؤولي الجمارك والأمن استمروا في مراسلة القضاة كل ستة أشهر تقريباً لطلب نقل المواد الكيميائية، وهي المراسلات التي تمّ تداول بعض مستنداتها إعلاميّاً على نطاق واسع.
غير أنّ اللافت هو أن ما أعاد فتح القضيّة مجدّداً، وفق الوثائق، ليس خطورة الشحنة، بقدر الخشية من سرقتها واستخدامها في صناعة موادّ متفجّرة. ذلك بالتحديد ما دفع لفتح تحقيق في يناير/كانون الثاني 2020، ثمّ استغرق الأمر نحو 5 أشهر إضافية ليصدر أمن الدولة في 4 يونيو/ حزيران أمراً بتعيين مدير للعنبر المذكور، وسدّ الفجوات فيه وتأمينه. ووفق استعراض "رويترز" للأحداث، نقلاً عن رواية مصدر أمني، فإن هذا الأمر بدأ تنفيذه لاحقاً على يد عمّال سوريين استدعتهم سلطات المرفأ، إلّا أنّهم باشروا أعمال الصيانة في العنبر شديد الحساسية من دون إشراف، ما أفضى إلى تطاير الشرار من جراء عمليات اللحام واشتعال المفرقعات التي كانت مخزّنة قرب شحنة الأمونيوم، قبل أن ينتهي الأمر بالانفجار الكبير.