خرج الشعب المصري في 25 يناير 2011، رافعاً شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فإذا به بعد أكثر من ثلاثة أعوام يجد نفسه مطحوناً يبحث عن الخروج من مأزق ارتفاع الأسعار الذي فاق كل التصورات.
"العربي الجديد" ترصد الغلاء الفاحش الذي يقصم ظهر الشعب المصري، بعد أن رفعت الحكومة يدها تماماً عن ملاحقة أسباب ارتفاع الأسعار لوضع حد لهذه الأزمة. وتبين من خلال جولة على عدد من الأسواق المصرية، أن ارتفاع الأسعار وصل إلى نسب قياسية، مع تفاوت ملحوظ بين أسعار الجملة وأسعار المفرق، فيما يتعلق بالخضر والفاكهة. أما المواطنون، فصرخاتهم تعلو في الأسواق مستغربة مدى ارتفاع الأسعار.
رفع السعر على المستهلك
بدأت جولة "العربي الجديد" من سوق الجملة في 6 أكتوبر غربي الجيزة، حيث يحتشد تجار التجزئة لشراء الخضراوات والفاكهة، عبر المزادات التي تتوالى طيلة اليوم.
يقول حسن عبد السميع -بائع خضراوات في سوق عزبة جبريل بشارع فيصل في الجيزة- إنه اعتاد شراء الخضراوات لمحله من سوق الجملة في 6 أكتوبر، وإن كانت الأسعار زادت قليلا بسبب نقص المحصول بالنسبة لمعظم الخضراوات، وبسبب أجرة العمالة وتكلفة النقل، "وهو ما يجعلنا نرفع السعر على المستهلك حتى نتمكن من تغطية ما نصرفه من نفقات".
وفي مزاد لبيع الطماطم (البندورة)، كان الزحام شديدا، وتبريرا لذلك، يقول بائع تجزئة من منطقة العمرانية بالجيزة عبد الحي الميرغني: "ممكن نستغني عن اللحمة أو الفراخ (الدجاج) لكن الطماطم هي السلعة الوحيدة اللي مش ممكن نستغني عنها أبدا، لأنها أساسية للطبخ، ومهما ارتفع ثمنها لا يستطيع أحد الاستغناء عنها، وبعد ضماني الحصول على حصتي من الطماطم، أتجه لشراء باقي احتياجاتي من الخضراوات الأخرى".
بين الجملة والتجزئة
وتكتسب البطاطس أهمية لا تقل عن الطماطم، لحرص "سيدة البيت" على وجودها في المنزل لتسعفها عند الشدة، فتسلقها أو تحمرها لإعداد وجبة سريعة.
ومن خلال المتابعة، يظهر أن سعر أهم السلع في سوق الجملة، كان يشير إلى أن كيلو الطماطم بجنيه واحد، فيما يباع عند تاجر التجزئة بثلاثة جنيهات، والبطاطس سعرها بالجملة جنيه و80 قرشا وتباع بالتجزئة بسعر 4 جنيهات، وسعر كيلو الكوسا جنيهان (جملة) وأربعة جنيهات (تجزئة)، والفاصوليا بجنيهين ونصف الجنيه (جملة) و4 جنيهات (تجزئة)، والباذنجان البلدي بجنيه (جملة) وأربعة جنيهات (تجزئة)، والخيار البلدي بجنيه ونصف الجنيه (جملة) وأربعة جنيهات (تجزئة)، والبامية 10 جنيهات (جملة) و20 جنيها (تجزئة).
وفي جولة في سوق منطقة "عزبة جبريل"، ارتفع صوت السيدة أم محمد، وهي تشكو من غلاء أسعار الخضراوات. وتتكون أسرة أم محمد من ستة أفراد، وقالت: "زوجي عامل يومي، والدخل يتفاوت حسب الظروف، ومش عارفين نعيش"، فيما قالت وداد عبد العال: "أنا موظفة وزوجي موظف، وعندنا ثلاثة أطفال وبنلف حوالين نفسينا، مش ممكن الحكومة تيجي علينا وسايبة الكبار ينهبوا في البلد". وتشرح أن "أسعار السلع نارية، في مقابل ارتفاع كلفة الكهرباء والمياه والغاز...".
ارتفاع كبير في الأسعار
يؤكد الارتفاع القياسي في الأسعار، التقرير الشهري للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن شهر نيسان / إبريل الماضي. فقد ارتفعت أسعار الخضراوات بنسبة 5.1% لتسهم بنسبة 81.6% في معدل التغير الشهري، بسبب ارتفاع أسعار الطماطم بنسبة 23.5% والبازلاء بنسبة 21.6% والبصل بنسبة 4.6% والثوم بنسبة 18.9%..
وارتفعت سلة أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بنسبه 3.3% لتسهم بنسبة 15.1% في معدل التغير الشهري، بسبب ارتفاع أسعار الأسماك الطازجة والمجمدة بنسبة 3.2%.
وشهدت سوق الدواجن في مصر ارتفاعا بأكثر من 20% خلال الأيام الماضية. وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في وقت سابق، أن أسعار الطعام والشراب ارتفعت خلال الفترة من كانون الثاني / يناير إلى آذار / مارس هذا العام بنحو 17 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
فيما سجل قسم الملابس والأحذية، ارتفاعا قدره 3.2%، ليساهم بنسبة 22.8% في معدل التغير الشهري بسبب ارتفاع أسعار الأقمشة بنسبة 8.3% والملابس الجاهزة بنسبة 4.2%.
وسجل قسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية، ارتفاعا قدره 1.5%، ليساهم بنسبة 7.5% في معدل التغير الشهري، بسبب ارتفاع أسعار الأجهزة المنـزلية بنسبة 0.2%.
وبسبب ذلك كله، تسود حالة من الإحباط العام بين المصريين قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية، ولكن الأمر يزداد خطورة حينما يشعر المواطن بالظلم الاجتماعي، حيث قلة محدودة تتمتع بكل شيء وأغلبية لا تملك أي شيء.
فيما رفعت الحكومة يدها تماماً عن مراقبة الأسواق أو التدخل لتوفير السلع عبر المجمعات الاستهلاكية أو منافذ وزارة الزراعة الخاوية.