"العربي الجديد" يكشف: إهدار أموال الخزينة العامة الفلسطينية لمصلحة متنفذين وشخصيات عامة
"تحية الوطن وبعد، أرجو موافقتكم على إعفائي من رسوم الجمرك للسيارة التي أنوي شراءها (...) الشكر والتقدير لسيادتكم". بكلمات مقتضبة، أرسل الناطق الرسمي باسم حركة فتح أسامة فايز داوود القواسمي في 21 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 كتاباً بخط يده إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس يطلب منه الحصول على إعفاء جمركي لشراء سيارة من نوع Jeep Grand Cherokee.
كان هذا الكتاب كافياً ليحظى القواسمي بتوقيع الرئيس بعد خمسة أيام فقط مصحوبا بعبارة: "وزير المالية، مع الموافقة، لا مانع من الإعفاء". بعد يومين من هذا الكتاب، وجّه رئيس ديوان الرئاسة وقتها حسين الأعرج، كتابا إلى وزير المالية، يطلب فيه الاطلاع على كتاب الرئيس وإجراء اللازم، أي تنفيذ منح القواسمي الإعفاء المطلوب.
في المقابل، يستغرق ذوو الإعاقة فترة تصل في حدها الأدنى إلى 81 يوما وفقا للمخطط الزمني الخاص بخدمة الإعفاء الجمركي للأشخاص ذوي الإعاقة المنشور على الموقع الرسمي لمجلس الوزراء الفلسطيني، بينما يؤكد مراجعون استغراق الأمر ما لا يقل عن ستة أشهر للحصول على إعفاء جمركي مشروط بشراء سيارة لا يزيد محركها عن 2000 CC، وذلك بعد عرض المعاملات على لجان مختصة في كل من وزارات التنمية الاجتماعية والصحة والمواصلات والمالية، وحصولهم على موافقة من كل منها، إذ عكفت الجمارك الفلسطينية التابعة لوزارة المالية إلى تشديد إجراءاتها في منح الإعفاءات لذوي الإعاقة من خلال التدقيق في الطلبات المقدمة إليها، بحيث أصبح المتقدم يحتاج إلى نحو ستة أشهر للحصول على قرار من اللجنة المختصة للاستفادة من الإعفاءات الجمركية والضريبية.
بعد وصول كتاب القواسمي إلى وزير المالية شكري بشارة، حوله إلى مدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارته لؤي حنش، الذي أصدر في تاريخ الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 فاتورة إعفاء من الجمارك والضرائب بقيمة 56000 دولار، وأرسلها إلى الشركة الفلسطينية للسيارات، وهي الشركة التي اشترى منها القواسمي سيارته ذات محرك الديزل بقوة 3000 CC.
وبذلك تحركت كل المؤسسات الرسمية الفلسطينية المعنية في أقل من عشرة أيام لتمنح القواسمي، الذي يشغل أيضاً منصب مدير عام الشؤون العامة والتنظيمية في إحدى شركات الاتصالات العاملة في فلسطين، سيارة خاصة معفاة من الجمارك والضرائب.
أموال ضائعة على الخزينة العامة
حالة القواسمي واحدة من 8 حالات وثقها التحقيق لمتنفذين حصلوا على إعفاءات جمركية وضريبية من دون سند قانوني. أدت وحدها إلى هدر مبلغ 357600 دولار كان من المفترض أن تذهب إلى الخزينة العامة.
يغطي هذا المبلغ، على سبيل المثال، ميزانية برنامج المساعدات النقدية الذي تقدمه وزارة التنمية الاجتماعية لـ1670 أسرة فقيرة على شكل 214 دولاراً كل ثلاثة أشهر.
اقــرأ أيضاً
قائمة بالحالات الموثقة
بين من حصلوا على الإعفاء اللواء شحادة محمد مزعل إسماعيل، قائد الحرس الخاص للرئيس ومرافقه الشخصي، والذي امتلك سيارة Mercedes ML 400 عبر طلب الموافقة على منحه الإعفاء مباشرة من وزير المالية، فكان له ذلك من خلال كتاب أرسله الوزير إلى مدير عام الجمارك الذي قام بدوره بإرسال كتاب للواء شحادة في تاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول: "بناء على موافقة معالي وزير المالية، نود إعلامكم بأنه تم منحكم إعفاءً جمركياً لشراء مركبة للاستعمال الشخصي". بلغت قيمة الإعفاء 68000 دولار، وبهذا امتلك شحادة المركبة بمحرك 3000 CC وسجلت باسمه في اليوم التالي.
لم يكتف شحادة باقتناء سيارة واحدة معفاة، فكان لأحد أفراد أسرته نصيب أيضاً من سيل الإعفاءات. فامتلك سيارتين أخريين دون دفع الجمرك: BMW x5 ذات المحرك 4400 CC وAudi Q5 بين عامي 2014 و2016. وصلت قيمة الإعفاء للمركبتين إلى 82800 دولار!
ضمن المستفيدين أيضاً من المنح غير القانونية أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب محمد صالح عريقات. إذ أعفي الشخص الثاني في المنظمة الذي يشغل أيضاً عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح من جمرك سيارة BMW i650 في 24 يناير/كانون الثاني 2017.
بلغت قيمة الإعفاء 47000 دولار، وسجلت المركبة ذات محرك البنزين بقوة 4400 CC باسمه الشخصي. علماً أن عريقات كان قد استفاد سنة 2008 من إعفاء لشراء سيارة بصفته نائباً في المجلس التشريعي.
مقربون آخرون حصلوا على إعفاءات جمركية غير قانونية، مثل منير سلامة أحمد سلامة رئيس الفريق الوطني لقاعدة البيانات في ديوان الرئاسة، إذ وجه مدير عام الجمارك كتابا إلى سلامة يخبره فيه بالموافقة على منحه إعفاء جمركيا لشراء مركبة Audi Q7 في الثامن من فبراير/شباط 2017، وتم تنفيذ الإعفاء بقيمة 47000 دولار، وتسجيل المركبة في وزارة النقل والمواصلات بتاريخ 16 آذار 2017. كذلك حال السفير الفلسطيني السابق في فنلندا نبيل درويش مصطفى الوزير الذي اشترى مركبة Audi A4 معفاة بقيمة 29000 دولار، بعد تلقيه رسالة مشابهة من مدير عام الجمارك في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015.
فنان وأقارب مسؤولين ينالون الإعفاءات
لم يستفد المقربون والمتنفذون السياسيون وحدهم من الإعفاءات الجمركية لشراء سيارات خاصة، فالفنان محمد جبر عبد الرحمن عساف، الفائز بلقب مسابقة "آرب آيدول" عام 2013، كان له نصيب أيضاً من الإعفاء بقيمة 30800 دولار بشرائه سيارة Audi Q5، كما سُجل في رخصة المركبة الصادرة عن وزارة النقل والمواصلات.
أكثر من ذلك، فقد استطاع اللواء شحادة ومن حصلوا من عائلته على تلك الإعفاءات وصائب عريقات ومنير سلامة، عدم تسجيل مركباتهم في وزارة النقل والمواصلات ضمن الأنظمة المتبعة لديها.
وتنص تلك الأنظمة "على عدم تسجيل أو تجديد ترخيص أي مركبة حاصلة على إعفاء جمركي إلا بعد صرف لوحات تمييز تنتهي بالرقم 31، بالإضافة إلى بقية الرقم التسلسلي لتسجيل المركبة"، وذلك بهدف الالتزام بالشروط الخاصة للإعفاء الجمركي وتسهيل عمل الجهات الرقابية.
وبذلك تكون الوزارة قد خالفت الأنظمة التي حددتها بمنح مسؤولين كبار أرقاما عادية كباقي المركبات التي لم تحصل على إعفاءات من الجمارك والضرائب.
وبلغ عدد المركبات المعفاة من الجمارك 10096 مركبة، بينها 1500 مركبة أعفيت ولم تحمل الرقم التمييزي، منذ مطلع عام 2006 وحتى نهاية أكتوبر 2017، وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد" مطلع في وزارة النقل والمواصلات فضل عدم الكشف عن هويته حفاظا على أمنه الشخصي، لكن الناطق باسم وزارة النقل محمد حمدان، نفى هذا الأمر قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يوجد لدينا أي مركبة معفاة من الجمارك ولا تحمل رقم 31".
ويعد شرط عدم تجاوز سعة محرك المركبة 2000 cc إلا في حالات سيارات تشجيع الاستثمار والسيارات الحكومية والهيئات المحلية، أحد أبرز شروط الإعفاء الجمركي، إلا أن الأرقام الموثقة لدينا تبين إعفاء 3675 مركبة بمحرك يزيد عن السعة المحددة من قبل الجمارك الفلسطينية، من بينها 424 مركبة حكومية واستثمارية. بمعنى أن 3251 مركبة يمكن تصنيفها بأنها غير قانونية ومخالفة لشروط الإعفاء منذ يناير/كانون الثاني من عام 2005 وحتى بداية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017.
جمارك وضرائب السيارات في فلسطين تتخطى 100%
تصدر الجمارك الفلسطينية سنوياً كتاب التعرفة الجمركي الخاص بالسيارات الذي يحدد قيمة الجمارك والضرائب لكل سيارة حسب نوعها وقوة محركها وسنة إنتاجها. على كل شخص يرغب بشراء مركبة دفع رسوم قد تصل إلى 100% لوزارة المالية حتى يتمكن من امتلاكها وفقاً لقانون الجمارك الأردني لعام 1962 الذي تحتكم اليه فلسطين، ومجموعة أخرى من القرارت. وترجع أسباب ارتفاع الجمارك، وفق الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة العربية الأميركية في جنين نصر عبد الكريم، "إلى ارتباط السلطة الفلسطينية بغلاف جمركي واحد مع إسرائيل، وإلى افتقار الخزينة العامة الفلسطينية إلى موارد متعددة. الأمر الذي يجعل الجمارك والضرائب المفروضة على السيارات، إلى جانب تلك المفروضة على التبغ والمحروقات، أبرز ثلاثة عناصر تدخل أموالا إلى الخزينة الفلسطينية".
على سبيل المثال، تدفع السيارات التي يتجاوز حجم محركها 2000 CC جمركاً بقيمة 7%، وضريبة شراء بقيمة 75 %، والمجموع يضاف إليه 16% ضريبة القيمة المضافة. بينما تدفع السيارات التي يقل حجم محركها عن 2000 CC ضريبة شراء بقيمة 50% و7% جمرك، والمجموع أيضاً يضاف إليه 16% ضريبة القيمة المضافة. لكن السيارات الأوروبية المنشأ تعفى من الجمرك بقيمة 7% حسب الاتفاقيات المبرمة بين فلسطين وهذه الدول، ولكن يتوجب على مشتريها دفع ضريبتي الشراء والقيمة المضافة.
الأرقام السابقة تعني أن قيمة الجمارك والضرائب التراكمية تصل إلى 114% من سعر السيارات التي تزيد سعة محركها عن 2000 فيما تصل إلى 84% للمحركات ذات السعة الأقل.
تدفع الجمارك والضرائب المرتفعة الفلسطينيين من ذوي الدخل المحدود إلى الاقتراض من البنوك لشراء مركبات تلبي احتياجاتهم في التنقل بفترات سداد قد تصل إلى خمس سنوات. وتشير الأرقام الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية إلى أن قيمة قروض السيارات بلغت حتى نهاية شهر يونيو/حزيران من العام الجاري 260 مليون دولار.
مخالفة القانون
حددت القوانين الخاصة بالجمارك والضرائب المعمول بها في الأراضي الفلسطينية الفئات التي يحق لها الاستفادة من الإعفاء الجمركي على السيارات، وعلى رأسهم الأشخاص ذوو الإعاقة في الأطراف السفلية، إلى جانب نواب المجلس التشريعي حيث يستطيع كل نائب الحصول على سيارة واحدة خلال فترة انتخابه. كما أتاح القرار بقانون رقم (5) لسنة 2014 للأسرى الفلسطينيين الذين أمضوا أكثر من 20 عاماً في السجون الاسرائيلية شراء سيارة بلا جمارك وضرائب لمرة واحدة. وتعفى أيضاً السيارات التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار والهيئات المحلية التي تمنح كمساعدات خارجية إلى الأجهزة الامنية والحكومة الفلسطينية.
تطرح الحالات التي وثّقها "العربي الجديد" سؤالاً حول السند القانوني لهذه الإعفاءات، وهو ما أجاب عنه المستشار القانوني عيسى أبو شرار، الذي شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقاً، بأنه "لا يجوز منح تلك الإعفاءات إذا لم يكن المستفيدون منها ضمن القائمة المنصوص عليها بالقانون. والمادة 88 من القانون الأساسي المعدّل لعام 2003 واضحة بهذا الخصوص، إذ تنص على أن فرض الضرائب العامة والرسوم، وتعديلها وإلغاءها، لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها، في غير الأحوال المبينة في القانون. ولا توجد في الأحوال المبينة في القانون الأساسي ما يجيز منح مسؤولين أو مقربين إعفاءات ضريبية أو جمركية".
وتعطي المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته لعام 2005 رئيس السلطة الحق في إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة بغياب انعقاد المجلس التشريعي، وهو بالفعل معطل منذ 2007، لكن حتى تلك المادة لا تبرّر قانونية الإعفاءات الجمركية والضريبية الممنوحة من قبل الرئيس كما أوضح أبو شرار.
ولا تتضمن صلاحيات الرئاسة الفلسطينية، وفق القانون الأساسي، امتلاكه حق إعفاء أي شخص من تأدية الضرائب والجمارك، باعتبارها أموالا من الخزينة العامة لا يجوز صرفها إلا وفقا لبنود الصرف المحددة في الموازنة العامة، إذ تنص المادة الثامنة من قانون الموازنة العامة لسنة 1998 بوضوح أنه "لا يجوز إعفاء أحد من تأدية الضرائب والرسوم في غير الأحوال المبينة في القانون".
كما راعى الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين في المادة 9 منه، وعليه لا يجوز منح استثناءات لأشخاص بحد ذاتهم. وإذا تقرر منح استثناءات، فيجب أن تكون منظمة بقانون أو بلائحة تنفيذية أو نظام وتطبق على فئة محددة وليس على أشخاص بعينهم.
اقــرأ أيضاً
ردود السلطة
في حين التزم ديوان الرئاسة الفلسطينية والمستشار القانوني للرئيس محمود عباس الصمت حيال رسائلنا التي أرسلناها من خلال البريد الفلسطيني الرسمي للرد على استفساراتنا حول الحالات غير القانونية الموثقة في التحقيق، نفى وكيل وزارة النقل عمار ياسين من جانبه علمه بوجود إعفاءات جمركية.
غير أن الرد جاء من الجمارك الفلسطينية التابعة لوزارة المالية، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ صرف الإعفاءات، إذ أكد مدير عام الجمارك لؤي حنش أن "جميع الإعفاءات التي تمت تجري وفق الإجراءات القانونية"، مفصلا إياها في "قانون الجمارك والمكوس رقم 1 لسنة 1962 وقانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن حقوق المعوقين، واللائحة التنفيذية المعدلة لسنة 2010 المتعلقة بمنح سيارات خاصة للمعاقين معفاة من الرسوم الضرائب، وبروتوكول باريس الاقتصادي ولا سيما البند 17 والبند 19، وقرار مجلس الوزراء لعام 2014 والمتعلق بإعفاءات الأسرى المحررين من رسوم الجمارك والضرائب، وقانون السلك الدبلوماسي رقم 13 لسنة 2005، وقرار الرئيس الراحل ياسر عرفات بتاريخ 2 يونيو 1996 والذي تقرر بموجبه عدم جواز منح أي إعفاء جمركي لأي شخص إلا بموافقة شخصية منه واستثناء خاص يصدر عنه والنظام الداخلي للمجلس التشريعي ولاسيما المادة 99 منه، وتابع في خطاب رسمي بأن "أي استثناء يكون وفق الأصول والمرجعيات المذكورة".
لكن في كل الأحوال لا يتعلق ذلك بالحالات التي وثقها التحقيق. ومن ضمن الاستثناءات "القانونية" التي ذكرها حنش قرار صدر عام 1996 عن الرئيس السابق ياسر عرفات الذي ينص على عدم جواز منح أي إعفاء جمركي لأي شخص إلا بموافقة شخصية من عرفات وباستثناء خاص يصدر عنه. علماً أن القرار المذكور تم إبطاله بموجب القانون الأساسي المعدل لعام 2003 وتعديلاته لعام 2005، والذي نص صراحةً على عدم جواز فرض أو إلغاء أي ضريبة إلا بموجب القانون، وذلك لم يحدث في حالة الإعفاءات التي وثقها التحقيق.
ختاماً، حتى وإن كان القانون الفلسطيني قد منح الرئيس صلاحية إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل، كالحروب وانتشار الأوبئة، يبقى السؤال: ما "الضرورة التي لا تحتمل" في منح متنفذين وشخصيات عامة إعفاءات بعشرات آلاف الدولارات من الخزينة العامة؟ وهل "حالات الضرورة" تشمل المصالح الخاصة للمتنفذين وأقاربهم؟
* تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"
كان هذا الكتاب كافياً ليحظى القواسمي بتوقيع الرئيس بعد خمسة أيام فقط مصحوبا بعبارة: "وزير المالية، مع الموافقة، لا مانع من الإعفاء". بعد يومين من هذا الكتاب، وجّه رئيس ديوان الرئاسة وقتها حسين الأعرج، كتابا إلى وزير المالية، يطلب فيه الاطلاع على كتاب الرئيس وإجراء اللازم، أي تنفيذ منح القواسمي الإعفاء المطلوب.
في المقابل، يستغرق ذوو الإعاقة فترة تصل في حدها الأدنى إلى 81 يوما وفقا للمخطط الزمني الخاص بخدمة الإعفاء الجمركي للأشخاص ذوي الإعاقة المنشور على الموقع الرسمي لمجلس الوزراء الفلسطيني، بينما يؤكد مراجعون استغراق الأمر ما لا يقل عن ستة أشهر للحصول على إعفاء جمركي مشروط بشراء سيارة لا يزيد محركها عن 2000 CC، وذلك بعد عرض المعاملات على لجان مختصة في كل من وزارات التنمية الاجتماعية والصحة والمواصلات والمالية، وحصولهم على موافقة من كل منها، إذ عكفت الجمارك الفلسطينية التابعة لوزارة المالية إلى تشديد إجراءاتها في منح الإعفاءات لذوي الإعاقة من خلال التدقيق في الطلبات المقدمة إليها، بحيث أصبح المتقدم يحتاج إلى نحو ستة أشهر للحصول على قرار من اللجنة المختصة للاستفادة من الإعفاءات الجمركية والضريبية.
بعد وصول كتاب القواسمي إلى وزير المالية شكري بشارة، حوله إلى مدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارته لؤي حنش، الذي أصدر في تاريخ الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 فاتورة إعفاء من الجمارك والضرائب بقيمة 56000 دولار، وأرسلها إلى الشركة الفلسطينية للسيارات، وهي الشركة التي اشترى منها القواسمي سيارته ذات محرك الديزل بقوة 3000 CC.
وبذلك تحركت كل المؤسسات الرسمية الفلسطينية المعنية في أقل من عشرة أيام لتمنح القواسمي، الذي يشغل أيضاً منصب مدير عام الشؤون العامة والتنظيمية في إحدى شركات الاتصالات العاملة في فلسطين، سيارة خاصة معفاة من الجمارك والضرائب.
أموال ضائعة على الخزينة العامة
حالة القواسمي واحدة من 8 حالات وثقها التحقيق لمتنفذين حصلوا على إعفاءات جمركية وضريبية من دون سند قانوني. أدت وحدها إلى هدر مبلغ 357600 دولار كان من المفترض أن تذهب إلى الخزينة العامة.
يغطي هذا المبلغ، على سبيل المثال، ميزانية برنامج المساعدات النقدية الذي تقدمه وزارة التنمية الاجتماعية لـ1670 أسرة فقيرة على شكل 214 دولاراً كل ثلاثة أشهر.
قائمة بالحالات الموثقة
بين من حصلوا على الإعفاء اللواء شحادة محمد مزعل إسماعيل، قائد الحرس الخاص للرئيس ومرافقه الشخصي، والذي امتلك سيارة Mercedes ML 400 عبر طلب الموافقة على منحه الإعفاء مباشرة من وزير المالية، فكان له ذلك من خلال كتاب أرسله الوزير إلى مدير عام الجمارك الذي قام بدوره بإرسال كتاب للواء شحادة في تاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول: "بناء على موافقة معالي وزير المالية، نود إعلامكم بأنه تم منحكم إعفاءً جمركياً لشراء مركبة للاستعمال الشخصي". بلغت قيمة الإعفاء 68000 دولار، وبهذا امتلك شحادة المركبة بمحرك 3000 CC وسجلت باسمه في اليوم التالي.
لم يكتف شحادة باقتناء سيارة واحدة معفاة، فكان لأحد أفراد أسرته نصيب أيضاً من سيل الإعفاءات. فامتلك سيارتين أخريين دون دفع الجمرك: BMW x5 ذات المحرك 4400 CC وAudi Q5 بين عامي 2014 و2016. وصلت قيمة الإعفاء للمركبتين إلى 82800 دولار!
ضمن المستفيدين أيضاً من المنح غير القانونية أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب محمد صالح عريقات. إذ أعفي الشخص الثاني في المنظمة الذي يشغل أيضاً عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح من جمرك سيارة BMW i650 في 24 يناير/كانون الثاني 2017.
بلغت قيمة الإعفاء 47000 دولار، وسجلت المركبة ذات محرك البنزين بقوة 4400 CC باسمه الشخصي. علماً أن عريقات كان قد استفاد سنة 2008 من إعفاء لشراء سيارة بصفته نائباً في المجلس التشريعي.
مقربون آخرون حصلوا على إعفاءات جمركية غير قانونية، مثل منير سلامة أحمد سلامة رئيس الفريق الوطني لقاعدة البيانات في ديوان الرئاسة، إذ وجه مدير عام الجمارك كتابا إلى سلامة يخبره فيه بالموافقة على منحه إعفاء جمركيا لشراء مركبة Audi Q7 في الثامن من فبراير/شباط 2017، وتم تنفيذ الإعفاء بقيمة 47000 دولار، وتسجيل المركبة في وزارة النقل والمواصلات بتاريخ 16 آذار 2017. كذلك حال السفير الفلسطيني السابق في فنلندا نبيل درويش مصطفى الوزير الذي اشترى مركبة Audi A4 معفاة بقيمة 29000 دولار، بعد تلقيه رسالة مشابهة من مدير عام الجمارك في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015.
فنان وأقارب مسؤولين ينالون الإعفاءات
لم يستفد المقربون والمتنفذون السياسيون وحدهم من الإعفاءات الجمركية لشراء سيارات خاصة، فالفنان محمد جبر عبد الرحمن عساف، الفائز بلقب مسابقة "آرب آيدول" عام 2013، كان له نصيب أيضاً من الإعفاء بقيمة 30800 دولار بشرائه سيارة Audi Q5، كما سُجل في رخصة المركبة الصادرة عن وزارة النقل والمواصلات.
أكثر من ذلك، فقد استطاع اللواء شحادة ومن حصلوا من عائلته على تلك الإعفاءات وصائب عريقات ومنير سلامة، عدم تسجيل مركباتهم في وزارة النقل والمواصلات ضمن الأنظمة المتبعة لديها.
وبذلك تكون الوزارة قد خالفت الأنظمة التي حددتها بمنح مسؤولين كبار أرقاما عادية كباقي المركبات التي لم تحصل على إعفاءات من الجمارك والضرائب.
وبلغ عدد المركبات المعفاة من الجمارك 10096 مركبة، بينها 1500 مركبة أعفيت ولم تحمل الرقم التمييزي، منذ مطلع عام 2006 وحتى نهاية أكتوبر 2017، وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد" مطلع في وزارة النقل والمواصلات فضل عدم الكشف عن هويته حفاظا على أمنه الشخصي، لكن الناطق باسم وزارة النقل محمد حمدان، نفى هذا الأمر قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يوجد لدينا أي مركبة معفاة من الجمارك ولا تحمل رقم 31".
ويعد شرط عدم تجاوز سعة محرك المركبة 2000 cc إلا في حالات سيارات تشجيع الاستثمار والسيارات الحكومية والهيئات المحلية، أحد أبرز شروط الإعفاء الجمركي، إلا أن الأرقام الموثقة لدينا تبين إعفاء 3675 مركبة بمحرك يزيد عن السعة المحددة من قبل الجمارك الفلسطينية، من بينها 424 مركبة حكومية واستثمارية. بمعنى أن 3251 مركبة يمكن تصنيفها بأنها غير قانونية ومخالفة لشروط الإعفاء منذ يناير/كانون الثاني من عام 2005 وحتى بداية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017.
جمارك وضرائب السيارات في فلسطين تتخطى 100%
تصدر الجمارك الفلسطينية سنوياً كتاب التعرفة الجمركي الخاص بالسيارات الذي يحدد قيمة الجمارك والضرائب لكل سيارة حسب نوعها وقوة محركها وسنة إنتاجها. على كل شخص يرغب بشراء مركبة دفع رسوم قد تصل إلى 100% لوزارة المالية حتى يتمكن من امتلاكها وفقاً لقانون الجمارك الأردني لعام 1962 الذي تحتكم اليه فلسطين، ومجموعة أخرى من القرارت. وترجع أسباب ارتفاع الجمارك، وفق الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة العربية الأميركية في جنين نصر عبد الكريم، "إلى ارتباط السلطة الفلسطينية بغلاف جمركي واحد مع إسرائيل، وإلى افتقار الخزينة العامة الفلسطينية إلى موارد متعددة. الأمر الذي يجعل الجمارك والضرائب المفروضة على السيارات، إلى جانب تلك المفروضة على التبغ والمحروقات، أبرز ثلاثة عناصر تدخل أموالا إلى الخزينة الفلسطينية".
على سبيل المثال، تدفع السيارات التي يتجاوز حجم محركها 2000 CC جمركاً بقيمة 7%، وضريبة شراء بقيمة 75 %، والمجموع يضاف إليه 16% ضريبة القيمة المضافة. بينما تدفع السيارات التي يقل حجم محركها عن 2000 CC ضريبة شراء بقيمة 50% و7% جمرك، والمجموع أيضاً يضاف إليه 16% ضريبة القيمة المضافة. لكن السيارات الأوروبية المنشأ تعفى من الجمرك بقيمة 7% حسب الاتفاقيات المبرمة بين فلسطين وهذه الدول، ولكن يتوجب على مشتريها دفع ضريبتي الشراء والقيمة المضافة.
الأرقام السابقة تعني أن قيمة الجمارك والضرائب التراكمية تصل إلى 114% من سعر السيارات التي تزيد سعة محركها عن 2000 فيما تصل إلى 84% للمحركات ذات السعة الأقل.
تدفع الجمارك والضرائب المرتفعة الفلسطينيين من ذوي الدخل المحدود إلى الاقتراض من البنوك لشراء مركبات تلبي احتياجاتهم في التنقل بفترات سداد قد تصل إلى خمس سنوات. وتشير الأرقام الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية إلى أن قيمة قروض السيارات بلغت حتى نهاية شهر يونيو/حزيران من العام الجاري 260 مليون دولار.
مخالفة القانون
حددت القوانين الخاصة بالجمارك والضرائب المعمول بها في الأراضي الفلسطينية الفئات التي يحق لها الاستفادة من الإعفاء الجمركي على السيارات، وعلى رأسهم الأشخاص ذوو الإعاقة في الأطراف السفلية، إلى جانب نواب المجلس التشريعي حيث يستطيع كل نائب الحصول على سيارة واحدة خلال فترة انتخابه. كما أتاح القرار بقانون رقم (5) لسنة 2014 للأسرى الفلسطينيين الذين أمضوا أكثر من 20 عاماً في السجون الاسرائيلية شراء سيارة بلا جمارك وضرائب لمرة واحدة. وتعفى أيضاً السيارات التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار والهيئات المحلية التي تمنح كمساعدات خارجية إلى الأجهزة الامنية والحكومة الفلسطينية.
تطرح الحالات التي وثّقها "العربي الجديد" سؤالاً حول السند القانوني لهذه الإعفاءات، وهو ما أجاب عنه المستشار القانوني عيسى أبو شرار، الذي شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقاً، بأنه "لا يجوز منح تلك الإعفاءات إذا لم يكن المستفيدون منها ضمن القائمة المنصوص عليها بالقانون. والمادة 88 من القانون الأساسي المعدّل لعام 2003 واضحة بهذا الخصوص، إذ تنص على أن فرض الضرائب العامة والرسوم، وتعديلها وإلغاءها، لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها، في غير الأحوال المبينة في القانون. ولا توجد في الأحوال المبينة في القانون الأساسي ما يجيز منح مسؤولين أو مقربين إعفاءات ضريبية أو جمركية".
وتعطي المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته لعام 2005 رئيس السلطة الحق في إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة بغياب انعقاد المجلس التشريعي، وهو بالفعل معطل منذ 2007، لكن حتى تلك المادة لا تبرّر قانونية الإعفاءات الجمركية والضريبية الممنوحة من قبل الرئيس كما أوضح أبو شرار.
ولا تتضمن صلاحيات الرئاسة الفلسطينية، وفق القانون الأساسي، امتلاكه حق إعفاء أي شخص من تأدية الضرائب والجمارك، باعتبارها أموالا من الخزينة العامة لا يجوز صرفها إلا وفقا لبنود الصرف المحددة في الموازنة العامة، إذ تنص المادة الثامنة من قانون الموازنة العامة لسنة 1998 بوضوح أنه "لا يجوز إعفاء أحد من تأدية الضرائب والرسوم في غير الأحوال المبينة في القانون".
كما راعى الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين في المادة 9 منه، وعليه لا يجوز منح استثناءات لأشخاص بحد ذاتهم. وإذا تقرر منح استثناءات، فيجب أن تكون منظمة بقانون أو بلائحة تنفيذية أو نظام وتطبق على فئة محددة وليس على أشخاص بعينهم.
ردود السلطة
في حين التزم ديوان الرئاسة الفلسطينية والمستشار القانوني للرئيس محمود عباس الصمت حيال رسائلنا التي أرسلناها من خلال البريد الفلسطيني الرسمي للرد على استفساراتنا حول الحالات غير القانونية الموثقة في التحقيق، نفى وكيل وزارة النقل عمار ياسين من جانبه علمه بوجود إعفاءات جمركية.
غير أن الرد جاء من الجمارك الفلسطينية التابعة لوزارة المالية، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ صرف الإعفاءات، إذ أكد مدير عام الجمارك لؤي حنش أن "جميع الإعفاءات التي تمت تجري وفق الإجراءات القانونية"، مفصلا إياها في "قانون الجمارك والمكوس رقم 1 لسنة 1962 وقانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن حقوق المعوقين، واللائحة التنفيذية المعدلة لسنة 2010 المتعلقة بمنح سيارات خاصة للمعاقين معفاة من الرسوم الضرائب، وبروتوكول باريس الاقتصادي ولا سيما البند 17 والبند 19، وقرار مجلس الوزراء لعام 2014 والمتعلق بإعفاءات الأسرى المحررين من رسوم الجمارك والضرائب، وقانون السلك الدبلوماسي رقم 13 لسنة 2005، وقرار الرئيس الراحل ياسر عرفات بتاريخ 2 يونيو 1996 والذي تقرر بموجبه عدم جواز منح أي إعفاء جمركي لأي شخص إلا بموافقة شخصية منه واستثناء خاص يصدر عنه والنظام الداخلي للمجلس التشريعي ولاسيما المادة 99 منه، وتابع في خطاب رسمي بأن "أي استثناء يكون وفق الأصول والمرجعيات المذكورة".
لكن في كل الأحوال لا يتعلق ذلك بالحالات التي وثقها التحقيق. ومن ضمن الاستثناءات "القانونية" التي ذكرها حنش قرار صدر عام 1996 عن الرئيس السابق ياسر عرفات الذي ينص على عدم جواز منح أي إعفاء جمركي لأي شخص إلا بموافقة شخصية من عرفات وباستثناء خاص يصدر عنه. علماً أن القرار المذكور تم إبطاله بموجب القانون الأساسي المعدل لعام 2003 وتعديلاته لعام 2005، والذي نص صراحةً على عدم جواز فرض أو إلغاء أي ضريبة إلا بموجب القانون، وذلك لم يحدث في حالة الإعفاءات التي وثقها التحقيق.
ختاماً، حتى وإن كان القانون الفلسطيني قد منح الرئيس صلاحية إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل، كالحروب وانتشار الأوبئة، يبقى السؤال: ما "الضرورة التي لا تحتمل" في منح متنفذين وشخصيات عامة إعفاءات بعشرات آلاف الدولارات من الخزينة العامة؟ وهل "حالات الضرورة" تشمل المصالح الخاصة للمتنفذين وأقاربهم؟
* تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"