"العراق 2017" يطرد "داعش"... الحكاية من البداية إلى النهاية

27 ديسمبر 2017
خلف غزو "داعش" مئات آلاف القتلى والجرحى (تويتر)
+ الخط -
لعلّ أبرز ما حصل في العراق عام 2017، إضافة إلى الاستفتاء في إقليم كردستان، أنه طوى صفحة تنظيم "داعش" بإعلان رئيس الوزراء، حيدر العبادي، هذا الشهر، سيطرة قوات بلاده على جميع المناطق التي احتلها التنظيم منذ عدة سنوات، بعد معارك طاحنة تمتع العراق  خلالها بدعم دولي واسع، واستمرت لثلاثة وأربعين شهرا. غير أنّ حكاية "داعش" لم تبدأ مع احتلاله لمناطق في العراق، بل قبل ذلك بسنوات.

كيف بدأ "داعش"؟

تعود جذور تنظيم "داعش" إلى جماعة "التوحيد والجهاد" التي أسسها الأردني أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2003، عقب الغزو الأميركي، لتتحول بعد ستة أشهر إلى "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" (شباط/فبراير 2004)، وتندمج مع "مجلس شورى المجاهدين" الذي ضم نحو 10 فصائل عراقية محلية لقتال الأميركان، إلا أن المجلس سرعان ما انهار بسبب خلافات منهجية وعقائدية بين فصائل المقاومة وتنظيم القاعدة، بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، تحولت فيما بعد إلى اقتتال وعمليات تصفية متبادلة.

وفي عام 2006 بايع أحمد الخلايلة المعروف بأبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة الأم، أسامة بن لادن، في تسجيل مصور له بصحراء الأنبار غرب العراق، ليكون الاسم الرسمي للتنظيم هو "تنظيم القاعدة بالعراق"، وفي نفس العام قتل الزرقاوي في غارة أميركية بمحافظة ديالى شرق العراق، ليحل مكانه الجهادي المصري أبو حمزة المهاجر كزعيم للتنظيم، والذي أعلن عقب مبايعته من قبل قيادات القاعدة الرئيسيين عن تشكيل "دولة العراق الإسلامية"، وتتألف من عدة فصائل من بينها القاعدة وجماعة الرايات السود وكتائب عمر وغيرها، إلا أن فصائل المقاومة الوطنية المناهضة للاحتلال الأميركي رفضت الدخول في التشكيل، وهو ما تسبب بعودة الاقتتال بين الجانبين.

تعرّف إلى حكاية "داعش" في العراق من البداية إلى النهاية في الـ "فيديو غراف" التالي:


وفي 19 أبريل/نيسان 2010 قتلت القوات الأميركية أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، وبعد أقل من أسبوع واحد أعلن عن اختيار أبو بكر البغدادي أميرا لدولة العراق الإسلامية، وتمكّن التنظيم من تحقيق تفوق كبير على باقي الفصائل المسلحة، ونجح في تنفيذ عمليات كبيرة بالعراق أسفرت عن خروج عدد من مدن البلاد عن سيطرة الجيش الأميركي.

بعد قيام الثورة السورية، انتقل البغدادي مع المئات من عناصره إلى سورية بطريقة ما زالت تثير الشكوك بتورط نظام الأسد بإدخالهم، حيث كانت الحدود العراقية السورية والمدن المجاورة كلها تخضع لسيطرة النظام السوري، وتمكن هناك من تطويع مئات المقاتلين المحليين السوريين، بعد بدء النظام استخدام آلة القمع العسكرية ضد المتظاهرين، وقبيل سيطرة التنظيم على مدينة الرقة السورية بالكامل، وفي عام 2013 أعلن عن "الدولة الإسلامية بالعراق والشام" قبل أن يتم نسخ الاسم في يونيو/حزيران 2014 لتتحول إلى "الخلافة الإسلامية"، وتم تنصيب أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين"، كما تم إجبار السكان الموجودين في مناطق سيطرته بالعراق وسورية على مبايعته.

الاحتلال الأخير

وكانت "الفلوجة" (60 كلم غربي بغداد)، أول مدينة يحتلها التنظيم بالكامل في العراق، وفي 10 يونيو/ حزيران 2014 سيطر أيضاً على مدينة الموصل، شمالي العراق، وسرعان ما انتشر فارضا سيطرته على مناطق أخرى واسعة في البلاد. إذ تقدم عناصر التنظيم نحو محافظة كركوك (شمال) وأعلنوا في 12 يونيو، أي بعد يومين من السيطرة على الموصل، فرض سيطرتهم على كركوك، ثم محافظة صلاح الدين (شمال).

واستمر التنظيم بالتقدم باتجاه بغداد مع تقهقر خطوط القوات العراقية، لكنه توقف عن التقدم نحو بغداد لأسباب غير معروفة، وهو ما سمح للقوات العراقية بتكوين حزام صد في محيط بغداد الخارجي.

من هم قادة التنظيم؟

وفقاً للمعلومات المتحصلة سواء من إعلانات التنظيم نفسه أو تقارير دوائر الاستخبارات الغربية (باعتبار أن الإعلانات الحكومية العراقية والسورية تفتقر للمصداقية) فإن من إجمالي أعضاء مجلس الشورى في التنظيم، البالغ تعدادهم 44 قيادياً هم مسؤولو الولايات والقادة العسكريون والمنظرون الشرعيون، هناك 31 قيادياً ساهموا في إنشاء التنظيم وقيادته منذ البداية، قتل من هؤلاء المؤسسين حتى الآن 23 قياديا وهم:

1 فاضل الحيالي الملقب بأبو مسلم الخراساني
2 أبو عبد الرحمن البيلاوي 
3 أبو مهند السويداوي والي الأنبار
4 رضوان حمدون أبو جرناس والي نينوى
5 الشيخ عبد الباسط الأنصاري 
6 أبو زهراء المحمدي والي الفلوجة
7 أبو محمد العدناني المتحدث باسم التنظيم
8 نعمان منصور الزيدي الشهير بابي سليمان الناصر لدين الله 
9 تارخان باتيراشفيلي الشهير بأبو عمر الشيشاني
10 مصطفى عبد الرحمن أبو علاء العفري
11 إياد بشار السامرائي الملقب أبو أنس
12 يونس سالم حسين الجبوري ويلقب أبو حمزة 
13 أيوب شيحان الشمري 
14 إبراهيم الطويل المتيوتي
15 حسن المصري الملقب بأبو الحارث
16 صلاح مصطفى قره باش 
17 أبو علي الخليلي فلسطيني 
18 فارس يونس الجرجري
19 حجي بكر سمير الخليفاوي 
20 صادق جعفر المشهور باسم صلاح الدين 
21 نبيل الجبوري المعروف باسم أبو سياف وقتل عام 2015 بإنزال جوي أميركي في دير الزور 
22 فلاح الكردي أو أبو عمر السلفي 
23 وسام نجم عبد زيد

أما أبرز القادة الحاليين المتبقين من الجيل المؤسس بحسب ما توصلت إليه "العربي الجديد"، فهم كل من:

1 إبراهيم عواد البدري زعيم التنظيم (عراقي)
2 أبو سليمان ناصر القائد العسكري العام الحالي (عراقي)
3 أبو علي الأنباري (عراقي)
4 شاكر وهيب (عراقي)
5 حسين بلال بوسنيتش (بوسني)
6 طارق بن الطاهر بن الفالح العوني الحرزي (تونسي)
7 أبو عبد الله الحربي (كويتي)
8 أبو عبد الرحمن الشامي وهو طاعن في السن ويعتقد أنه مفت في التنظيم

إلى أي حد وصلت قوة "داعش" البشرية؟

تم تقدير عدد مقاتلي تنظيم "داعش" بنحو 40 ألف مقاتل في العراق وسورية، وتمكن في أوج قوته من السيطرة على عشرات المدن الكبيرة والمتوسطة في العراق وسورية بلغ مجموع مساحتها معا نحو 310 آلاف كلم مربع، وهي مساحة تعادل حجم أربع دول عربية مجتمعة وأكبر من مساحة بريطانيا التي تبلغ نحو 242 ألف كلم مربع.

مع الانسحاب الكبير للقوات العراقية وتقدم "داعش" أفتى المرجع الديني الشيعي، علي السيستاني، في 13 يونيو/ حزيران 2016، بـ"الجهاد الكفائي" لمقاتلة التنظيم، الذي على أثره تأسست مليشيا "الحشد الشعبي"، وضمت جميع المليشيات في العراق حتى المتورطة بارتكاب جرائم ضد مدنيين بدوافع طائفية.

ما هي أبرز المناطق التي حررها الجيش العراقي؟

في أغسطس/ آب 2014 بدأت القوات العراقية بإسناد من مليشيا "الحشد الشعبي"، وبدعم من غطاء جوي للقوات الجوية العراقية بالاشتراك مع طيران التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، المعارك لاستعادة الأراضي من سيطرة "داعش".

أول المعارك كانت في بلدة آمرلي (160 كلم شمال بغداد) التي تحررت في 31 أغسطس/ آب 2014، وتلتها ناحية جرف الصخر، 60 كلم جنوبي بغداد، وتحررت في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2014.

وواصلت القوات العراقية معاركها واستعادت السيطرة على مناطق أخرى، لتحرر قضاء بلد (93 كلم شمال بغداد)، ويتبع محافظة صلاح الدين، في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2014.

وفي عام 2015 كانت أبرز المدن التي حررتها القوات العراقية قضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالى، (100 كلم شمال شرق بغداد) في 24 يناير/ كانون الثاني، ثم تكريت (160 كلم شمال بغداد)، في 31 مارس/ آذار، وبيجي (175 كلم شمال بغداد)، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول، ومدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار في 28 ديسمبر/ كانون الأول.

وفي 2016 تحررت مدن أخرى كثيرة أبرزها تقع في محافظة الأنبار وهي قضاء كبيسة، في 25 مارس/ آذار، وهيت في 14 أبريل/ نيسان، والرطبة 27 مايو/ أيار، والفلوجة في 26 يونيو/ حزيران، والخالدية 31 يوليو/ تموز، ومنفذ الوليد في 3 أغسطس/ آب.

عام 2016 شهد أيضاً تحرير مدن مهمة في محافظة الموصل، أبرزها القيادة 10 يوليو/ تموز، والشورة 29 أكتوبر/ تشرين الأول، وحمام العليل 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، ومطار تلعفر 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، وسهل نينوى 28 نوفمر/ تشرين الثاني.

أما عام 2017 فكان عام حسم المعارك في الموصل والأنبار، والسيطرة على ما تبقى من مناطق تخضع لتنظيم "داعش" ففي 24 يناير/ كانون الثاني تم تحرير الجانب الشرقي من الموصل، وفي 27 أبريل/ نيسان تحرر قضاء الحضر، ثم إعلان تحرير القيروان في 3 مايو/ أيار، وفي 4 يونيو تحرير البعاج، وكان أهم منطقة يعلن عن تحريرها جانب الموصل الأيمن وذلك في 10 يوليو/ تموز.

فيما تمكنت القوات العراقية من تحرير ما تبقى من مناطق تحت سيطرة التنظيم في الأنبار خلال عام 2017، وأبرزها بلدة عكاشات في 16 سبتمبر/ أيلول، وقضاء عنّة في الشهر ذاته، وقضاء القائم في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني وقضاء راوة في 17 من الشهر نفسه.

وفي معارك حاسمة تمكنت القوات العراقية من "تحرير الجزيرة بين نينوى والأنبار بإسناد طيران الجيش (...) ومسك الحدود الدولية العراقية السورية شمال الفرات من منطقة الرمانة حتى تل صفوك على طول 183 كيلومترا" بحسب بيان للقوات العراقية، مؤكدة أنها أحكمت سيطرتها "على الحدود الدولية العراقية السورية من منفذ الوليد إلى منفذ ربيعة" وذلك في 9 ديسمبر/ كانون الأول.

وبذلك يكون التنظيم قد خسر الأراضي  التي سيطر عليها في 2014، وكانت تقدر بثلث مساحة العراق، على أثر حملات عسكرية متواصلة منذ ثلاث سنوات بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

خسائر فادحة

وخلال حربه الأخيرة ضدّ "داعش"، مرّ العراق بكوارث إنسانية، تضاهي في حجمها ست مرات ما مر به العراق خلال حرب الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، في السنوات التي فرض فيها "داعش" سيطرته على 49% من إجمالي مساحة العراق في مدن الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك وشمال بابل وحزام بغداد، وهي المحافظات التي تحملت وزر ظهور التنظيم.
 
وفقا لمعلومات صادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي وثلاث منظمات محلية وأخرى أوروبية، تواصل معها "العربي الجديد" فقد بلغت حصيلة اجتياح داعش للعراق في يونيو/حزيران 2014، نحو 230 ألف قتيل وجريح من المدنيين، و71 ألف قتيل وجريح من القوات العراقية وفصائل "الحشد الشعبي" والبشمركة ومقاتلي  العشائر، و20 ألف مفقود مدني،
و60 ألف معتقل ومختطف، بالإضافة إلى  5.6 ملايين نازح داخل العراق، ونحو مليون نازح خارج العراق في تركيا والأردن ومصر ولبنان وسورية ودول أوروبية مختلفة.

وتم تسجيل انتهاكات بحق العراقيين على يد "داعش" والمليشيات ووحدات من القوات الحكومية، تمثلت أبرزها بسبي آلاف النساء الإيزيدات ومعاملتهن كـ"الجواري" وبيعهن من قبل "داعش" في "سوق الرقيق" والاستيلاء على ممتلكات المسيحيين شمال العراق.

وتم تسجيل 8 آلاف حالة انتهاك بحق المدنيين على يد مليشيات "الحشد الشعبي" في عموم مدن العراق تفاوتت بين عمليات إعدام ونحر وحرق جثث ودهس بالدبابات وتقطيع بالسكاكين وسرقة منازل وممتلكات قبل إحراقها.

وسُجل تدمير 200 قضاء ومدينة وبلدة وناحية، وأكثر من 6 آلاف قرية وقصبة صغيرة شمال وغرب ووسط العراق بفعل العمليات العسكرية والمعارك والقصف الجوي والمدفعي والصاروخي والبراميل التي تلت احتلال "داعش" لها، كما خلفت عمليات "داعش" الإرهابية
خسائر مالية بلغت أكثر من 100 مليار دولار، وأنفق العراق 71 مليار دولار على الحرب خلال سنوات الحرب كاملة.