"العدالة والتنمية" المغربي وزيارة السيسي
منذ تسرّب خبر زيارة الرئيس الانقلابي المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى المغرب، نهاية شهر سبتمبر/أيلول الجاري، إلى وسائل الإعلام المغربية، انقسم المغاربة بين مرحب بالزيارة ورافضٍ لها، ولكلٍّ مبرراته، لكن ما جعل الأمر يأخذ أبعاداً كبرى، تتجلى في أن قواعد الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" وأنصاره، من أشد معارضي الزيارة، فالحزب مرجعيته إسلامية، ويشاع أنّ له ارتباطات بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وسبق وأن عبر نواب منه عن تنديدهم بالانقلاب في مصر، والذي جرى في يوليو/تموز 2013، والذي قادته الآلة العسكرية المصرية، بقيادة عبد الفتّاح السيسي آنذاك، والذي أطاح بحكم الاخوان المسلمين.
ويجد رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، نفسه في موقفٍ لا يحسد عليه، إذ تعتبر زيارة السيسي بمثابة اختبار كبير لشعاراته وحزبه بخصوص الأزمة المصرية، على الرغم من أنّ بن كيران أقام اتصالات غير مباشرة مع الرئيس المصري الحالي، عن طريق وزير الخارجية، صلاح الدين مزوار، والذي زار مصر في وقت سابق. لكن، ما يجعلنا حائرين أمام مواقف بن كيران وحزبه يتجلى في عدم وضوحها وثباتها.
وتعد حكومة الإسلاميين في المغرب من التجارب القليلة للإسلاميين في المناطق العربية وشمال أفريقيا، التي صمدت أمام تقلبات السياسية في المنطقة، حيث شهدت الحكومات الإسلامية في كل من مصر وليبيا وتونس زوابع أودت بها. ويرجع سبب صمود الحكومة المغربية، بحسب محللين ومراقبين مغاربة، إلى أن حزب "العدالة والتنمية" الاسلامي، قائد الائتلاف الحكومي المغربي، أبان عن كفاءة عالية في تكييف مواقفه مع ما يخدم مصالح الدولة العميقة في المغرب، وذلك بإقرار قرارات اقتصادية، وصفتها هيئات حقوقية بالمجحفة والقاسية في حق الطبقات المتوسطة المغربية. لكن، لم ينتظر المغاربة كثيراً حتى يظهروا للحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، في رسالة مشفرة عن طريق صناديق اقتراع جزئي شهدته مناطق في المغرب، حيث فازت أحزاب المعارضة (الاستقلال مقعد مولاي يعقوب، الأصالة والمعاصرة مقعد سيدي إفني) المغربية بمقعدين أمام خسارة كبيرة للحزب الحاكم، الذي كان قد حصد 107 مقاعد في البرلمان المغربي في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2011. لكن، في مقابل ذلك، لم يعر قادة الحزب أية أهمية لخسارة المقعدين. وبالعودة إلى زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المرتقبة، خرج القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، عبد العزيز أفتاتي، بتصريح مفاده أنه لا يجب الخلط بين ما هو ديبلوماسي وما هو أيديولوجي ومتداول، ويمكن اعتبار هذا التصريح بمثابة مؤشر واضح على الموقف الحقيقي لـ "العدالة والتنمية" المغربي من الزيارة، أو من النظام المصري الحالي. وليس هذا التصريح مفاجئاً، فقد زار وزير الخارجية المغربي القاهرة، واستقبله السيسي. والقناعة أنه لا جدوى من مطالبة رئيس الحكومة، عبد الإله بن كيران، بإعلان موقفه من الزيارة، ولا نخوض، هنا، في حملة لرفض زيارة الرئيس المصري، الذي أنهى حكم "الإخوان المسلمين" في بلاده.
وإذ تسرب أن زيارة السيسي المرتقبة مجرد إشاعة، تهدف إلى جس نبض الشارع المغربي، فالمتمنى أن تكون كذلك، لأن من غير المستحب أن يجد رئيس الحكومة، بن كيران، نفسه محرجاً أمام شبيبة حزبه، "العدالة والتنمية"، وتنظيماته الموازية، والتي ما زالت تخوض حملات واسعة لرفض الانقلاب العسكري في مصر، رافعين شارة ميدان رابعة العدوية، في محطاتهم الحزبية.