"الطربوش" من زيّ قومي إلى آفة صحّية

05 مايو 2015
الطربوش الأحمر التقليدي (Getty)
+ الخط -

كلمة "طربوش" معرّبة من الكلمة الفارسية "سربوش" أي غطاء الرأس. وينسبه بعضهم إلى مدينة فاس، لذا يسمونه بالإنجليزية Faz. ويقال أيضاً إنّ العثمانيين أخذوه عن اليونان، وظلّ زيّاً قومياً في تركيا حتى إلغاء الخلافة، إذ اعتبر ارتداؤه جريمة، وفرضت القبعة (البرنيطة) بديلاً عنه. وهنا بدأ الجدل حول أيهما أولى بأن يوضع على رأس العربي: الطربوش أم البرنيطة؟!

زعم عدد من المثقفين قديماً بأنه خلافٌ تافه، وقد فنّده بعض الكتّاب بأنّ أتاتورك لم يكن تافهاً حين وجّه اهتمامه إلى استبدال القبعة بالطربوش، وحكم بالشنق على كلّ من خالف رأيه في هذه المسألة، فقد كان من أقواله الصريحة: "إنا إذا ما لبسنا ملابس تخالف ملابس الغرب بقينا متأخّرين". ووصل الأمر بأتاتورك أن تطاول على السفير المصري بأنقرة، وأمره بخلع طربوشه بلهجة تهديدية، الأمر الذي سبّب أزمة دبلوماسية، فالطربوش كان رمزاً للاستقلال والقومية في مصر. وقد أذكت الصحافة البريطانية أزمة "طربوش السفير".

كانت مصر تستورد طرابيشها من النمسا حتى أقام محمد علي مصنعاً خاصّاً. لكنّه أُغلق بعد معاهدة 1840، فعادت مصر للاستيراد، إلى أن أقيم مصنع القرش في القاهرة 1936. وبعدما توقف استيراد الطرابيش إثر أزمة دبلوماسية مع النمسا، كتب أحمد زكي باشا (1917): "إن الشرقيين والغربيين يظنون أن الطربوش شعار ديني إسلامي، وهو ظنّ بعيد عن الحقيقة، فإنه ليس في الإسلام زي خاص".

الصراع بين الطربوش والبرنيطة كان أسبق زمناً من تلك الحادثة، حيث أفردت الصحافة المصرية لطرفي المعركة مساحات واسعة، فاحتجّ كلّ فريق على الآخر بأدلته العقلية والطبية والدينية. وتعدّ الفتوى الترنسفالية من أقدم الوثائق الدالة على هذا الصراع، حيث أفتى الشيخ محمد عبده سنة 1904 بإباحة لبس "البرنيطة" للمسلمين في بلاد الترنسفال إذا كانوا مضطرين. وهي الفتوى التي أثارت لغطاً شديداً في حينها.

على جبهة المحافظين، ظهرت المقالات والدعوات التي تندد بالقبعة وتنتصر للطربوش، فقال سعد زغلول: "مثل الذين يبدلون شعارهم بشعار غيرهم، كمثل الذين تبرأوا من أنسابهم". بينما قال العقاد: "إن من سقوط الهمّة أن يتوارى الإنسان وراء القبعة خجلاً من جنسه". أما الرافعي فقال: "لا يهولنّك ما أقرر لك من أن القبعة على رأس المصري في مصر تهتك أخلاقي أو تهتك سياسي أو تهتك ديني أو من هذه كلها معاً".

وفي مقابل قول السيد محب الدين الخطيب إنّ الطربوش صحياً خيرٌ من القبعة، نشرت جمعية الأطباء المصرية سنة 1926 بياناً تقول فيه إن الطربوش لباس غير صحي، وإن للباس الصحي شروط، وهي متوفرة في القبعة وحدها. وشُرحت هذه الفتوى بأن الطربوش قد يسبّب الصداع والصلع، إضافة إلى اتساخ الجبهة بسبب العرق.

كما أصدر الأزهر سنة 1926 فتوى تقول: "إن المذاهب الأربعة المعمول بها مجمعة على تحريم لبس البرنيطة!".

اقرأ أيضا:جلول الغربي.. حكاية 55 عاماً مع الشاشيّة التونسية
المساهمون