تبدو مقولة المساواة من أكثر المقولات تداولاً في الخطاب السياسي وفي التنظير المعرفي، حتى أن النظريات الاقتصادية والسياسية (مثل الليبرالية والرأسمالية) التي طالما اتهمت بتناقضها مع المساواة حاولت هي الأخرى دمج هذه المقولة في خطاباتها، وهو ما يغيّر الكثير من القناعات وخصوصاً في تمثّلات العديد من القضايا والمفاهيم ومنها مفهوم الطبقة، غير أنه وعلى مستوى واقعي ظل "التفاوت الطبقي" حاضراً.
هذا التناقض تقاربه عالمة الاجتماع البريطانية روزماري كرومبتون (1942 – 2011) في كتابها "الطبقات والتراصف الطبقي" في محاولة منها لفهم أسباب استمرار اللامساواة من خلال تتبع الدراسات حولها منذ قرنين. عن سلسلة "ترجمان" ضمن منشورات "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر الكتاب بالعربية مؤخراً بترجمة اللبنانيَّين محمود عثمان حداد وغسان رملاوي.
ترى المؤلفة أنّ فهم التفاوت الاجتماعي واستمراريته يستلزمان العمل عبر منظورات متضاربة، إذ أن المتابعة التاريخية لتطوّر الأفكار تثبت وجود مقاربات مختلفة للتقسيمات والتصنيفات الاجتماعية بعضها متناقض بالكامل، لكنها تشير إلى أن الباحث ينبغي أن يكون على استعداد للتعامل معها جميعاً.
يضمّ الكتاب ثمانية فصول. في الأول، والذي يحمل عنوان "تحديد المشهد" يستعرض التغيّرات التي حدثت في العلاقات "الطبقية"، جراء التداعيات التي نتجت عن السياسات الاجتماعية والاقتصادية ضمن نزعة النيوليبرالية.
الفصل الثاني بعنوان "مقاربات لتحليل الطبقة والتراصف"، وفيه تعرض المؤلفة الأطر النظرية التي جرى تطويرها من أجل فهم التفاوت الاجتماعي، وتضعُها في سياقاتها التاريخية في الفصل التالي "التحليل الطبقي: الميراث الكلاسيكي وتطوّره في القرن العشرين"، وهي تركز بالأساس على تحليل أفكار الألمانيين كارل ماركس وماكس فيبر.
بداية من الفصل الرابع، يأخذ الكتاب منحى تطبيقياً، حيث تطرح المؤلفة طرق "قياس البنية الطبقية"، قبل أن تبدأ في توسيع مجال بحثها حين تتصدّى إلى مواضيع موازية مثلما هو الحال في الفصل السادس "الطبقة والثقافة: الإثنوغرافيا الوصفية للطبقة" أو في الفصل السابع "الحراك الاجتماعي للعائلات والتحصيل العلمي".
في آخر فصول الكتاب، "اللامساواة المتعاظمة والمناظرات حول الطبقة"، تقف الكاتبة على ظاهرة استمرار توسّع التفاوت الطبقي، وكيف أن المقاربات النظرية كانت تصطدم دائماً بانفلات الواقع منها.