تمكّن نتنياهو يومها، وهو القادم من الأمم المتحدة، والبارع في الظهور الإعلامي وخدع التسويق والترويج، مقارنة بضعف ليفي، من الانتصار عليه بشكل ساحق، وأدرك منذ ذلك اليوم خطورة الإعلام وأثره النافذ من جهة، ووجوب توحيد صف الأسرة من جهة ثانية. وفي تلك المرحلة، كان ليفي يشكل بنظر "أبناء الليكود"، مجرد ورقة توت لستر عورة الليكود واستمالة الشرقيين لتأييده للقضاء على حكم اليسار الذي نكل بالشرقيين واحتقر ثقافتهم وأصولهم التي تذكره بالعرب.
اعتمد نتنياهو منذ تلك الأزمة التي عرفت بفضيحة "الشريط الساخن"، حتى بعد أن تبيّن كذبه واضطراره لاحقاً إلى تقديم الاعتذار إلى ليفي، خطاً ثابتاً لم يتخلّ عنه، تمثّل في أخذ موافقة زوجته سارة عند تعيين أي مستشار أو موظف مهما كان منصبه رفيعاً في ديوان رئاسة الوزراء، وفصل كل من لا ترغب سارة برؤيته. وفسّر هذا الموقف لاحقاً سبب مغادرة كثيرين ممن بدأوا حياتهم العامة والسياسية في ديوان نتنياهو، وتحوّل بعضهم إلى خصوم له، بدءاً من أفيغدور ليبرمان (وزير الأمن الحالي، وكان سابقاً عضواً في الليكود ورئيساً لديوان نتنياهو)، ونفتالي بينيت (وزير التعليم الحالي ورئيس البيت اليهودي)، وعوزي أراد (المستشار السياسي السابق لنتنياهو)، ويوعز هيندل (مستشار نتنياهو السابق)، والصحافي أفيف بوشينسكي (المستشار الإعلامي السابق لنتنياهو)، وحتى الوزيرة الليكودية ليمور ليفنات استبعدت عن حقائب وزارية هامة بسبب "غيرة سارة منها"، مقابل قلّة قليلة من المستشارين والمقربين الذين صمدوا لأنهم فككوا شيفرة سارة نتنياهو.
وهنا يبرز المستشار الخاص لنتنياهو ومدير ديوانه، ناتان إيشيل، الذي كان صاحب فكرة خطاب بار إيلان، لتفادي فرض حلّ أميركي في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي ظلّ وفياً لنتنياهو وزوجته، لكنه اضطر إلى ترك منصبه بعد ضبطه وهو يصوّر بكاميرا هاتفه النقال الموظفات العاملات في ديوان رئيس الوزراء.
وإلى جانب إيشيل، المتديّن الذي يعتمر قبعة "كيباه" على رأسه، كان هناك أيضاً رئيس طاقم ديوان نتنياهو، أريك هارو، الذي تحوّل إلى أوّل شاهد ملكي ضده وقدّم أشرطة توثّق محادثات نتنياهو مع ناشر "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس في قضية الفساد المعروفة باسم "القضية 1000". وقد تحوّل هارو، الذي وصف بأن لديه ولاء شخصياً وأيديولوجياً لنتنياهو واليمين، إلى شاهد ملكي بسبب ضلوعه في مخالفات غشّ وخداع اضطر مقابل العفو عنه، للتحوّل إلى شاهد ملكي ضد نتنياهو.
وشكّلت خطوة هارو، الأميركي الأصول، أوّل حبة تفرط من مسبحة الولاء، بعد أن تبعه على الطريق نفسه مقرّب آخر من نتنياهو عمل معه أكثر من عقدين، هو شلومو فيلبر، المدير العام لوزارة الاتصالات، والمستشار السابق لنتنياهو، وهو من معتمري القبعة المطرزة أيضاً. واضطر فيلبر هو الآخر إلى التحوّل لشاهد ملكي ثان ضد نتنياهو، مقدماً براهين تدين رئيس الوزراء بتلقي الرشاوى في قضية "بيزك"، من رجل الأعمال شاؤول إيلانوفيتش وصاحب موقع "والا" أيضاً.
وفيما لم يقدّم هارو ولا فيلبر أي تفسير شخصي أو عاطفي يفسّر انقلابهما على نتنياهو، وراج أن تحولهما لشاهدين ملكيين كان لخوفهما من دخول السجن لسنوات طويلة، فقد جاءت المفاجأة من الشاهد الأخير، وهو المستشار الإعلامي السابق لنتنياهو، نير حيفتس، الذي أعلن، الاثنين، تحوله إلى شاهد ملكي. واتضح وفق ما نقله مقربون عنه، أن ما كسر روحه واضطره إلى الموافقة والرضوخ لضغوط الشرطة والنيابة العامة للتحوّل لشاهد ملكي، هي البراغيث التي "أكلت من بدنه" خلال أيام الاعتقال الأولى له. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "معاريف" وصحف أخرى، أن حيفتس قال للمقربين منه: "لقد أرجأ بيبي (نتنياهو) مثوله للتحقيق أياماً طويلة، بينما كان يعلم أنني أجلس في المعتقل بسببه، حيث يحتجزوني بظروف قاسية، إلى أن يتكرّم هو بالمثول للتحقيق، لم يكن هذا يهمه".
وكان حيفتس اشتكى أمام محاميه من أن البراغيث في زنزانة المعتقل أفقدته القدرة على النوم. وحاول وزراء الليكود التعاطف مع حيفتس، حتى أن وزيرة الثقافة المقربة من نتنياهو، ميريت ريجف، حاولت في جلسة حكومة الاحتلال الأسبوع الماضي، الركوب على الموجة والاستفسار من وزيرة العدل أيليت شاكيد عن ظروف اعتقال حيفتس، ووجوب تحسين الظروف الإنسانية، لكن يبدو أنّ ذلك كان متأخراً، فقد انتصرت براغيث المعتقل على ولاءٍ لنتنياهو دام عقدين من الزمن.