ضمن فعاليات "أيام قرطاج الموسيقية" التي تتواصل فعالياتها حتى 6 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يُقام مساء غد في "مدينة الثقافة" في تونس العاصمة عرض بعنوان "الزندالي: أغانٍ من خلف القضبان"، وهو عمل من إعداد الموسيقي والمسرحي التونسي ظافر غريسة، يستعيد فيه نمطاً غنائياً تبلور في السجون، ويشاركه العرض عازفون محترفون إضافة إلى عدد من السجناء.
عن فكرة هذا العمل، يقول غريسة في حديث إلى "العربي الجديد": "يمكن اعتبار هذا العرض تواصلاً لأعمال سابقة تعاملت فيها مع الشجناء، مثل عرض السنة الماضية في "مهرجان بنزرت الدولي"، لكن مع عرض "الزندالي: أغانٍ من خلف القضبان" حاولت تطوير كيفية العمل والأداء، وهو ما مكننا من تسجيل العمل في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج الموسيقية وليس على هامش الدورة".
وحول الاشتغال على موسيقى الزندالي سواء على مستوى تشذيب النصوص أو التوزيع الموسيقي، يقول المسرحي التونسي: "قمنا بإعداد بحث مصغّر من أجل اختيار المراجع التي يمكن اعتمادها في تحديد برنامج العرض، وقد وجدتُ عدة نسخ مختلفة لكل أغنية، حاولت الإبقاء على النسخة الأكثر قرباً للأحداث التي كتبت بمناسبتها مع الأخذ بعين الاعتبار الزندالي المتداول عِوض الزندالي المهجور كما هو الشأن بالنسبة للأغنية الأشهر "ارضى علينا يا لميمة" والتي هي في الأصل "ارضى علينا يا بورقيبة" لكنها اشتهرت بنسختها ذات البعد الاجتماعي، أكثر من النسخة الأصلية ذات المضامين السياسية".
يتابع: "أما في ما يخصّ التوزيع، فقد أردت الابتعاد عما هو مألوف ومتعارف عليه في أداء هذا النوع من الأغاني، حيث تحاشيت التوزيع على آلات التراث الشعبي المتداول، وحاولت أن أستغل الطاقات التي يمتلكها السجناء وخصوصية حضورهم في العرض، من أجل تنفيذ توزيع موسيقي يجمع بين الجملة الشعبية الأصلية والأنماط الموسيقية الأخرى كالنمط الغربي أو الهندي أو المشرقي، وهذه التوليفة لاقت استحسان السجناء، فعلى الرغم من اعتيادهم على النمط الشعبي تقبلوا الفكرة وتبنوا تنفيذها على الرغم من الصعوبات التقنية المرافقة لهذا الاختيار".
جرى تنفيذ بروفات هذا العرض في داخل المؤسسة السجنية نفسها، وهو ما يفرض تساؤلاً حول الصعوبات التي يمكن أن يجدها هكذا مشروع، خصوصاً على المستوى الإداري. يجيب غريسة بالقول: "بتعدّد التجارب بيني وبين المشرفين على المؤسسات السجنية، أصبح هنالك نوع من الثقة المتبادلة والتي سمحت لي بممارسة التمارين حتى في أيام العطل الرسمية، وكان بعض المسؤولين يقضّون معنا يوماً كاملاً دون تذمر، وهو ما يؤكد اهتمامهم بهذا النوع من المشاريع لما لمسوه من تغييرات إيجابية في سلوكات السجناء بعد التجارب السابقة".
اشتغال ظافر غريسة ثقافياً على المساجين، يرافقه التفات مشاريع أخرى إلى نفس الفئة، من ذلك مسرحية "الدراقا" التي تستمر عروضها هذه السنة من إخراج عبد القادر الدريدي وبسام الحمراوي عن فكرة لنوفل الورتاني. فهل يمكن الحديث عن نظرة جديدة في تونس للسجناء؟
يقول غريسة: "أي عمل يطرح واقع المنظومة السجنية في تونس أعتبره عملاً جريئاً ويستحق الدعم. لديّ قناعة بأنه في سبيل أن تتغيّر نظرة المجتمع للسجين لا بد أولاً من تغيير نظرة الفنان للواقع السجني، ونحن نرى اليوم للأسف عديد الفنانين لا يقبلون بتقديم عروضهم في السجون أو التعامل مع المساجين في ورشات تكوين وهذا في تقديري نوع من نقص الوعي والجهل بمعاني الإصلاح إذ لا يمكن أن تكون السجون مقبرة المنبوذين من المجتمع، فمصير السجين العودة الى بيئته المجتمعية عاجلاً أم آجلاً وأعتقد أنه من الأفضل له وللمجتمع أن يعود وقد تغيّرت في داخله تلك النزعة الإجرامية أفضل من أن يبقى دون تأهيل وربما يعود بنزعة إجرامية أعلى. وهنا لا بد من التذكير أن السجن عقوبة سالبة من الحرية فقط وليست سالبة للإنسانية".