توقع الخبير الاقتصادي بمؤسسة" كابيتال إيكونومكس" للدراسات الاقتصادية في لندن، جيسون توفي، أن تقود إجراءات فرض الضرائب الجديدة ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات الأساسية التي طبقتها السعودية أخيراً، إلى ارتفاع معدل التضخم بنسبة 6% خلال العام الجاري، وهو ما يعني عملياً غلاء المعيشة.
كما توقع "توفي" كذلك أن يتواصل ضعف الإنفاق الاستهلاكي، أي القوة الشرائية لسكان المملكة، وهو ما سيقود عملياً إلى ضعف النمو الاقتصادي.
ويقدر حجم الاقتصاد السعودي الذي يعاني حالياً من الإنكماش بحوالى 646.4 مليار دولار في العام 2016، وبلغ أعلى معدلات التوسع في عهد الملك عبدالله، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 756.35 مليار دولار في العام 2014، وذلك حسب إحصائيات البنك الدولي في العام 2017.
ويدخل الاقتصاد السعودي العام 2018، وهو يواجه أربع عقبات رئيسية، وهي تمويل عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار، وضعف النمو الاقتصادي، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري تحت وطأة حرب اليمن التي تكلفه شهرياً حوالى 60 مليون دولار.
ويرى الخبير الاقتصادي توفي، في دراسة صدرت، الأسبوع الماضي، أن السعودية ستواجه تحديات حقيقية في سوق العمل خلال الأعوام المقبلة، حيث توقع أن يدخل سوق العمل السعودي حوالى 5.5 ملايين مواطن ومواطنة سعودية، خلال السنوات الـ12 المقبلة حتى العام 2030، وهو ما يعني أن معدل البطالة سيرتفع في وقت تخطط فيه الدولة السعودية حسب "رؤية 2030" التي أعلنها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في إبريل/ نيسان من العام 2016، للإصلاح الاقتصادي عبر بناء "اقتصاد غير نفطي"، وتخلي الدولة عن دور الموظف للمواطنيين وترك هذا الدور للقطاع الخاص.
لكن، حتى الآن، لا ينمو القطاع الخاص بمعدلات تخلق وظائف جديدة، بل يواصل الانكماش، كما أن عمليات اعتقال كبار رجالات الأعمال والأمراء وتجميد الحسابات أربك القطاع الخاص في السعودية، إذ توقفت الاستثمارات الخارجية وعرقلت العديد من المشاريع، كما زرعت الشكوك حول البيئة الاستثمارية السعودية لدى المستثمرين الأجانب، حيث أن بعض هؤلاء الأجانب شركاء تجارة مع هؤلاء المعتقلين في مشاريع. وغير معروف كيف ستنهي الحكومة، أزمة المعتقلين.
وترى دراسة نشرتها الأستاذة بجامعة هارفارد، كارن إيليوت هاوس، أن السعودية دولة ريعية تقوم على بيع النفط وتوزيع جزء منه على المواطنين، وفي حال توقفها عن ذلك وحدوث ضائقة معيشة بسبب الغلاء وثبات الأجور، فإن ذلك يعني عملياً إخلالها بمبدأ "الرخاء مقابل الولاء". وهو المبدأ الذي حفظ تماسك حكم آل سعود منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز.
وحسب البروفسورهاوس، فإن على الدولة السعودية إذا اخلت بمبدأ الرخاء، سيكون عليها أن تبحث عن شرعية جديدة، وهي إما تحولها إلى ملكية دستورية تسمح بمشاركة المواطنين في الحكم أو إلى ملكية مستبدة مطلقة.
وترى الدراسة أن توفير الوظائف للشباب السعودي يحتاج إلى إنعاش القطاع الخاص في وقت تتجه فيه الدولة إلى تقليص الوظائف الحكومية. ولكن القطاع الخاص الذي بنى أساساً على العقود الحكومية، يواجه شبه أزمة في الوقت الراهن.
ويرى خبراء في لندن، أن إنعاش القطاع الخاص في السعودية يحتاج إلى أربع معادلات، وهي أن يسود حكم القانون والشفافية في الدولة وأن تقل البيروقراطية ويقل مستوى الفساد وألا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي إلا بشكل محدود في هيكلة الإجراءات والقوانين التجارية.
ويضاف إلى هذه العقبات افتقار السعودية للكفاءات المهنية في وقت تتجه فيه لطرد العمالة الأجنبية والتضييق عليها.
وفي ذات الصدد ترى الخبيرة الأميركية إيلين والد، أن جذب الاستثمارات الأجنبية إلى السعودية يعتمد على تطبيق الدولة حكم القانون والاستقرار السياسي.
وحتى الآن، يبدو مجتمع الأعمال في السعودية الذي يقود القطاع الخاص ويفترض ان يتحمل عبء التوظيف ، غير متأكد حول ماذا يريد منهم ولي العهد السعودي، ويتساءل كثير من رجال الأعمال: كيف ستنتهي عملية اعتقالات الأمراء وما هي المخاطر التي ستتركها على قطاع التجارة والاستثمار في السعودية، حيث إن معظم المعتقلين من كبار اللاعبين في السوق وكذلك تعد شركاتهم من كبار المشغلين.
وتقول البروفسور، كارن ايليوت هاوس، الزميلة بمركز بلفور للدراسات التابع لجامعة هارفارد الأميركية في دراستها الميدانية عن السعودية، "الاقتصاد السعودي توقف عن النمو بعد عام واحد من تطبيق "رؤية 2030" إلى قرابة الصفر، كما أن تطبيق الضرائب وسحب الدعم عن السلع والخدمات انعكس سلباً وبشكل مباشر على حياة المواطنين، إذ تعتمد 80% من العائلات السعودية في دخلها من الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر".
وفي المقابل فإن القطاع الخاص الذي قالت الرؤية 2030، إنه سيكون الموظف الجديد للمواطنين بدل الدولة، سجل أضعف نمو في تاريخه، حيث نما بنسبة 0.1% في العام 2016. كما انكمش الإنفاق الحكومي.
وقالت البروفسور هاوس، إن هذا الانكماش رفع نسبة البطالة بين الشباب تحت سن 30 عاماً إلى 40%.
ومنذ إعلان الرؤية، شرعت الحكومة السعودية في تنفيذ العديد من الإجرءات التقشفية، حيث رفعت الدعم عن الماء والكهرباء والبنزين. وارتفع تبعاً لذلك سعر غالون البنزين من 64 سنتاً إلى 96 سنتاً. كما خفضت الحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي، المرتبات والحوافز لموظفي الدولة، الذين يمثلون نسبة 60% من إجمالي عدد الموظفين في السعودية.
وحسب دراسة البروفسور، هاوس، "فإن الموظفين وبدون سابق إنذار وجدوا أن دخلهم انخفض بنسبة 30%، كما اتهمت الحكومة هؤلاء الموظفين بأنهم يعملون لساعة واحدة في اليوم".
ثم تبع ذلك أزمة اعتقال الأمراء وكبار الأثرياء وبدون سابق إنذارأيضاً أو ترتيبات تخص شركاتهم المسجلة في سوق المال السعودي ويتداول أسهمها المواطنون. وحسب بلومبيرغ، سبب الاعتقال أزمة في البورصة السعودية، حيث خسر العديد من المواطنين جزءاً من ادخاراتهم الموظفة في سوق المال.
وتساءلت البروفسور، هاوس، في دراستها حول ما إذا كانت هذه الإجراءات التقشفية وإجرءات سحب حرية الانتقاد التي كانت محدودة وتتاح في الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ستثير الغضب الشعبي ضد الحكومة.
ونسبت في الدراسة إلى مواطن سعودي قوله "إن الشعب السعودي سيصبر على هذه الإجراءات إذا تبعها رخاء، ولكن إذا تواصلت في السنوات المقبلة فربما ينتفض".
وترى الدراسة، أن الحكومة السعودية تسعى للتغطية على فشلها الاقتصادي عبر الترويج للانفتاح الاجتماعي وإعطاء المرأة حق القيادة والاختلاط وفتح دور السينما وإقامة المهرجانات الغنائية.
لكنها تقول كل هذه التغييرات، ربما يكون لها وقع لدى الإعلام الغربي ولكنها في السعودية ربما ستؤدي إلى مشاكل اجتماعية ضخمة، من بينها ارتفاع نسبة الطلاق.
وتشير في هذا الصدد، إلى أن المحك الحقيقي للتحرير الاجتماعي، هو إيجاد وظائف للخريجات الجامعيات اللائي بتن يشكلن 60% من خريجي الجامعات.
وحسب الدراسة، ستكون معضلة التوظيف وخفض نسبة البطالة المقدرة بـ27% بين الشباب السعودي الذي يشكل نسبة 70% من السكان، أكبر التحديات التي ستواجهها الحكومة السعودية خلال السنوات المقبلة.
وربما يروق لبعض هؤلاء الشباب والشابات الذين تعلم معظمهم في الغرب، الجزء الخاص من رؤية ولي العهد،محمد بن سلمان الخاصة بإلغاء السلطة الدينية وفتح مجالات الترفيه وتحويل المملكة إلى دولة علمانية.
لكن هؤلاء الشباب الذين نشأوا وترعرعوا على الحياة السهلة المدعومة اقتصادياً من الدولة ربما سيكون من الصعب عليهم تقبل توقف الدولة فجأة عن توزيع الثروة النفطية على المجتمع، وخفض الدعم عن الخدمات والتعليم والصحة، أو توقف الهدايا والهبات التي كانوا يحصلون عليها من الأمراء.
وكان العديد من الشباب يجدون وظائف مضمونة بعد تخرجهم أو عودتهم من الابتعاث في جامعات الدول الغربية حتى عهد الملك عبدالله.
ومن المتوقع أن يقارن الشباب السعودي بين عهد الملك عبد الله، (2005 ـ 2015)، الذي صرف بسخاء على الخدمات والتعليم وبين العهد الجديد. كما لاحظت أن الاقتصاد السعودي نما في عهد الملك عبدالله بمعدل 5.5% في المتوسط، كما أن الدخل النفطي بلغ في المتوسط 300 مليار دولار سنوياً.