يرى الأكاديمي الكندي ماكس هايفين أن النظام العالمي اليوم يبدو مصمماً على الانتقام الاقتصادي المتهور؛ ويدلل على ذلك بالعقوبات الاقتصادي والفوضى المناخية والديون غير القابلة للدفع والعنف الممنهج والتدهور المستمر لقدرة البشر على العيش في حياة مشتركة باختلافاتهم.
وفي محاضرة افتراضية ألقاها أول أمس الثلاثاء، بتنظيم من "سيمنار قراءة ماركس" الذي تقيمه جامعة "كامبريدج"، تناول هايفين كتابه الصادر مؤخراً "الرأسمالية الانتقامية أشباح الإمبراطورية: شياطين رأس المال وتسوية الديون غير المسددة"، متطرّقاً إلى ثيمات العنف العرقي والبنيوي، ومفاهيم الانتقام التي تؤطر وتحدد الكثير من أزمات الرأسمالية في عصرنا.
لا يعتمد هايفن على أرشيف واسع من النظريات النقدية فقط، بل يتناول أمثلة من الثقافة الشعبية، ومن واقعنا المعاصر، ومنها صعود سياسات الانتقام لدونالد ترامب التي يرى أنها تشكل تطويراً لنظرية مادية للانتقام، ويربطها مع التاريخ المعقد للكولونيالية والنظام البطريركي وأنظمة الهيمنة.
يقول الباحث: "أزعم أن مثل هذه الأنظمة تنتقم من أولئك الذين تقوم بقمعهم واستغلالهم. إنني أرسم الرأسمالية الانتقامية كنظام في التطرف الذي يبدو، مثل الملك المجنون وكأنه ينتقم، بدون داع وبلا مبرر، من رعاياه. في عمق هذه الأنظمة ثمة تناقضات هيكلية تولد أشكالاً مرضية ومناخاً سياسياً رجعياً خطيراً. ولمواجهة هذه الأمور مباشرة، سنحتاج إلى التخلي عن حساسيتنا للتفكير بجدية في مفهوم الانتقام".
هناك الديون من الأسفل: وهي الديون الأخلاقية أو الجماعية أو السياسية للتاريخ
بالنسبة إلى هايفين فإن أبرز الطرق التي تظهر بها الرأسمالية الانتقامية هي الديون غير القابلة للدفع عبر السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع في ظل النظام العالمي اليوم. ويوضح: "أرى أن هناك ديوناً غير قابلة للسداد من اتجاهين. من جهة، هناك الديون من فوق: انتشار الديون المالية العقابية والانتقامية التي لا يمكن تسديدها التي تصف ما أسميه رأسمالية الانتقام، والديون من الأسفل: وهي الديون الأخلاقية أو الجماعية أو السياسية للتاريخ (للاستعمار والرق والعنف الهيكلي)".
من جهة أخرى، أشار الباحث إلى الإحصاءات المذهلة التي تشير إلى أن أحد أفضل تنبؤات التحولات في أنماط التصويت الأميركية والتي يعزوها إلى النظام الرأسمالي، من باراك أوباما في 2012 إلى دونالد ترامب في 2016، كان الزيادة في ما أطلق عليه "وفيات اليأس"، لا سيما تلك المرتبطة بالانتحار، أو بالجرعات الزائدة من المخدرات التي ارتفعت بشكل كبير منذ مطلع القرن الواحد والعشرين.
ويعزو هايفين هذه الأزمة إلى تدفق المواد الأفيونية التي تستلزم وصفة طبية وآثارها والمسؤولة عن أخطر أزمة للصحة العامة تسبب بها الإنسان في التاريخ الأميركي، وهي مسؤولة مباشرة عن وفاة أكثر من نصف مليون شخص وإدمان وحرق الملايين الآخرين.
يرى هايفين أن مما يثير الانتباه أن معظم ضحايا هذا "الوباء" (المخدرات) هم من البيض، وهو أمر لافت للنظر، لأن معظم الكوارث الصحية العامة الأخرى تؤثر بشكل كبير وأساسي على الأشخاص الملونين.
يُذكر أن ماكس هايفين هو أستاذ الثقافة والإعلام والعدالة الاجتماعية في جامعة ليكهيد في شمال غرب أونتاريو بكندا، وصدرت له عدة كتب منها: "أزمات الخيال وأزمات القوة: الرأسمالية والإبداع"، و"الخيال الراديكالي: أبحاث الحركة الاجتماعية في عصر التقشف"، و"ثقافات التمويل: رأس المال الوهمي في الثقافة الشعبية والحياة اليومية".