لا يزال نقص البيانات الإحصائية في العديد من القطاعات يشكّل تحدياً أساسياً أمام الباحثين العرب في علم الديموغرافيا، خاصة مع الارتفاع السكاني في معظم البلدان العربية، والذي يتطلب دراسات موازية للموارد الطبيعية من غذاء وماء وطاقة، لقراءة تغيّرات وسائل الإنتاج وأنماطه ومستقبل اقتصاديات مجتمعاتها.
كما تساهم البحوث في هذا المجال في تطوير مقاربة للتعامل مع قضايا عدّة، منها ارتفاع نسبة الشرائح العمرية الأصغر عمراً (أقل من 18 سنة)، والتحوّلات التي يفرضها دخول أعداد كبيرة منهم إلى سوق العمل في فترة مقبلة، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها المستمرة.
في هذا السياق، صدر حديثاً عن سلسلة "دراسات" في "دار الشؤون الثقافية العامة" في بغداد كتاب "الديموغرافية أو علم أعداد السكان.. دراسة في أدبيات السكان وديموغرافية العالم والعالم العربي وتوقعاتها حتى عام 2050" للباحث والأكاديمي عبد علي الخفاف.
يعمل المؤلّف (1943) أستاذاً للجغرافيا والدراسات السكانية في "جامعة الكوفة"، وصدرت له العديد من الكتب والدراسات منها "الأرض وأعداد البشر" (1993)، و"الأطلس الديمغرافي للوطن العربي" (1996)، و"موجز جغرافية القارات" (1997)، و"الطاقة وتلوث البيئة" (2000)، و"العادات الغذائية والأنماط المرضية، توزيع جغرافي وتحليل مكاني" (2006)، و"النوع الاجتماعي (الجندر) في العالم العربي/ مجتمع العراق: حالة دراسية" (2010)، و"علم النوع الاجتماعي: الموضوع والمنهج" (2015).
يتضمّن الجزء الأول من كتابه الجديد تعريفاً بأدبيات السكان منذ اهتمامات الحضارات المبكرة بأعداد السكان وأعداد الذكور منهم على وجه التحديد، مستحضراً نماذج تتعلّق برؤى الحضارتين اليونانية والرومانية في هذا المجال.
يتناول الجزء أيضاً ما ورد من نصوص ذات دلالات ديموغرافية في اليهودية والمسيحية والإسلام وغيرها من أديان الشرق، كما يتناول متواليات عالم الاقتصاد الإنكليزي توماس مالتوس (1766 - 1834) في مراجعة نقدية بعد التعريف بسيرته ونظريته حول الانفجار السكاني، وكيفية تقديمه الأساس النظري الذي استند إليه من أفكار عدد من الاقتصاديين وعلماء الاجتماع الذين سبقوه.
في الجزء الثاني، يركّز الخفاف على حال السكان في العالم في وصف منهجي، بينما يتناول في الجزء الثالث ديموغرافية المرأة ما بين واقعها الكمي وبرامج وخطط التمكين للنهوض بها، والاستفادة من أعدادها الكبيرة وديموغرافية الطفولة وكبار السن، ويستعرض في الجزء الرابع الواقع الديموغرافي العربي.