صدر في القاهرة العدد الأول من مجلة فصلية ساخرة حملت اسم "الدوار"، أطلقها رسام الكاريكاتير أحمد عبد النعيم مع مجموعة من الصحافيين والكتّاب ورسامي الكاريكاتير.
ولعل أكثر ما يستوقفنا في العدد تضمّنه مقالين ساخرين للمفكر الإسلامي سيد قطب كتبهما في الرابعة والعشرين من عمره، أي قبل تحوله من النقد الأدبي إلى الكتابة الدينية.
وتظهر في المقالين اللذين نُشرا في مجلة "إشمعنى" الساخرة عام 1930، موهبة قطب الباكرة في الكتابة الساخرة. إذ رصد بدقّة فيهما ملامح هزلية لبعض النماذج السلبية في المجتمع المصري في فترة الثلاثينيات، مثل الزوجة النكدية، والزوج المغلوب على أمره، والأصدقاء اللحوحين، وغيرها من النماذج والعلاقات الاجتماعية. وفي تلك الفترة، كان قطب يتقاضى على المقال الواحد ثلاثة جنيهات، وهو مبلغ كبير لشاب مصري آنذاك.
ونقرأ في العدد الأول أيضاً مجموعة من المقالات الساخرة التي تتطرّق إلى نواحٍ سياسية واجتماعية وثقافية متعددة، منها على سبيل المثال مقال لسارة كامل بعنوان "المتحرّش الرسمي لميدان التحرير"، تتخيّل فيه، داخل قالب ساخر، حواراً بين مذيعة تلفزيونية وأحد المتحرشين بالنساء يسمح لها بإلقاء الضوء على كم من التناقضات داخل المجتمع المصري وعلى انحيازه ضد المرأة.
وفي مقال آخر بعنوان "خطوات تجنّبك المشاكل مع حماتك"، تُعدّد حسنات حكيم أكثر النماذج الصارخة للحموات المثيرات للمشاكل، وتقدّم نصائحها للزوج والزوجة حول كيفية التعامل مع كل نموذج، كالحماة الفضولية، والمتسلطة، والغيورة، والمتقلّبة المزاج.
أما الكاتب فتحي سلامة، وتحت عنوان "قصة الحياة السياسية الساخرة في مصر"، فتتبع بأسلوب فكاهي سيرة الجماعات والتنظيمات السياسية في مصر منذ بداية القرن العشرين.
ويأتى صدور مجلة "الدوار" التي تمت طباعتها بجهود ذاتية وكلفة زهيدة، ليلقي الضوء على الأزمة المزمنة التي تعاني منها الصحافة الساخرة في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي. إذ تراجع الاهتمام بإصداراتها بعد أن كانت تمثّل أحد المحاور الرئيسية في تاريخ الصحافة المصرية، ومنبراً متميّزاً لمقاومة الاحتلال الإنجليزي وتسلّط الحكومات.
وتصدر المجلة في وقت تخلو فيه الساحة المصرية من المجلات الساخرة، وهو ما يتناقض مع تاريخ هذه الصحافة في مصر التي تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر وتزخر بالعديد من الإصدارات الهامة، لعل أبرزها جريدة "مسليات ومضحكات" التي أسّسها يعقوب صنوع في العام 1877 وارتكزت على الفكاهة المصورة فرصدت صفحاتها لعدد كبير من رسامي الكاريكاتير الأجانب المقيمين في مصر آنذاك. واستخدم صنوع الكتابة الساخرة والرسومات الكاريكاتيرية لعرض القضايا الوطنية تارةً وللتنديد بالاحتلال البريطاني تارة أخرة.
وتوالى بعد ذلك ظهور الصحف والمجلات الساخرة، مثل مجلة "التنكيت والتبكيت" التي أسّسها عبدالله النديم عام 1892، ثم جريدة "الأستاذ". وفي النصف الأول من القرن العشرين صدرت مجلة "البعكوكة" الشهيرة التي تعدّ أطول المجلات الساخرة عمراً، فقد انطلقت عام 1934 واستمرت حتى عام 1953، تاريخ تأميم الصحافة، لتعود فتصدر على فترات متباعدة. ومن المجلات الساخرة الأخرى، "ألف نكتة ونكتة"، "كلمة ونص"، "الكشكول"، "كاريكاتير"، وجميعها توقف عن الصدور لأسباب مالية.
وإن كان يسجّل لـ"الدوار" استئناف المحاولة في هذا المجال؛ إلا أنه يحسب عليها ضعف مستواها الإخراجي والإفراط في الكليشيهات، سيما أن السخرية هي فن متقدّم وعفوي في الشارع المصري ويتجاوز ما تقدّمه هذه المجلة.