قلّما يجري الجمع بين السجن والمسرح، فالأول مكان مغلق، والثاني فضاء مفتوح، غير أن كليهما يشترك في كونه شاشة تنعكس فيها كلّ ظواهر المجتمع من فقر وتهميش ونبذ وهشاشة وظلم.
يتحرّك عرض "الدراقا" للمخرج التونسي بسام الحمراوي ضمن منطقة التقاطع هذه، حيث يستدعي 18 ممثلاً يسلّطون الضوء على عالمين: الأول هو واقع السجناء من خلال حكاياتهم، والثاني يتمثّل في الموسيقى التي خرجت من رحم السجون التونسية، والتي باتت تمثّل تراثاً متكاملاً يبرزه عرض "الدراقا"، أغان مثل "أرضى علينا يا لميمة"، و"وينك يامّة وسط اللمة"، و"مظلومة يا دنيا"، كما يتضمّن العمل تقديم أغنيتين من تلحين وأداء فريق العمل. ويذكر هنا أن أربعة من الممثلين عاشوا تجربة السجن ويتحدّثون عنها في شهادات حيّة ضمن العرض، كما تشير الورقة التقديمية للعمل.
بعد عروض في تونس العاصمة وسوسة، ينتقل عرض "دراقا" إلى صفاقس حيث يقدّم بعد غد الجمعة في "قاعة المؤتمرات" في المدينة بداية من السابعة مساء.
استدعاء الموسيقى في العمل يجعل منه أقرب إلى "فرجة" تجتمع فيها عدّة أشكال فنية، مثل الرقص وفن السيرك والغناء الفردي والجماعي، بالإضافة إلى المقاطع السردية الحوارية التي تنبني معظمها كمحاكاة لقصص واقعية تجمع بين الرؤيتين التراجيدية والهزلية.
التناول المسرحي للغناء في السجون تمّ أساساً من خلال بحث على مستوى الآلات التي تؤدّي الموسيقى، فقد جرى استغلال الأدوات المتوفرة لدى السجناء مثل النقر على خشب الأسرّة، أو الدق على الأواني، بالإضافة إلى استدعاء آلة المِزود التراثية والتي تؤدّى عليها معظم أغاني السجون التونسية.
ثمة بعد آخر ينبغي الانتباه إليه في "الدراقا" يتمثّل في الدور الاجتماعي الذي يمكن أن يلعبه المسرح في إعادة إدماج السجناء في المجتمع أو على الأقل إنتاج صورة مختلفة عن تلك الصورة النمطية المنتشرة عبر إضاءة مشاغلهم وطموحاتهم وإبراز قدراتهم الإبداعية.
يؤدّي العمل على المستوى الحواري كل من: عبد الستار الخضراوي، ومحمد علي كشطان، وإبراهيم الشيحي، ومحمد أمين الرضواني، وعبد القادر الدريدي، ونادر الجريدي. ويؤدّي الرقصات: ياسر مادي، وإبراهيم بوستة، ومحمد علي الطاهر، وبدر الجندوبي، وحاتم الدعباك، أما الأغاني فيؤدّيها بسام العسكري، ووردي بوثوري، وفارس الدريدي، كما يشارك في العرض العازفان خليل حشاني (آلة المزود) ويوسف العلوي (إيقاع).