"الدحّة"... رقصة الحروب والأفراح

22 ابريل 2016
يحكي شعر رقصة "الدحة" قصصاً أو تفاصيل معارك (Getty)
+ الخط -
لا تخلو أفراح بعض قبائل سيناء ومناسباتهم من رقصة "الدحّة"، وهي رقصةُ جماعيّة تمتدّ إلى البادية في فلسطين والأردن وسورية وشمال السعودية والكويت. وتتداخل فيها مجموعة من الفنون، كالشعر الشعبي والرقص والموسيقى واللعب بالسيف والعصي.

بدأت الدحّة، أو الدحية، كما تؤرّخ لها القبائل في عصور قديمة، عندما ابتكرها بعض أبناء القبائل الأذكياء، والذين أناخوا ذات ليلة في الصحراء، وأثناء مبيتهم لاحظوا فرقة من المحاربين على مقربة منهم، كانوا يفوقونهم عدة وعتاداً، وعرفوا أنهم ينوون الإغارة عليهم بعد أن أرسلوا دليلاً ليكتشف عددهم وقوتهم. فقامت المجموعة المستهدفة بحيلتها الماكرة؛ وهي الوقوف صفاً واحداً ثم الرقص ضرباً على الأرض وإصدار أصوات تشبه هدير الجمال، فظن أعداؤهم أنهم كثيرو العدد والعدة، ونجحت الحيلة التي حمتهم من شرّ الأعداء، فأعجبتهم الرقصة واحتفلوا بها وتفننوا فيها.

توارث العديد من القبائل فن الدحة، وأصبحوا يقدّمونه بصورة دائمة في أفراحهم ومناسباتهم الاجتماعية، ويردد ممارسو "الدحة" أنواعاً من الشعر ملتزمين بقافية ثابتةٍ، يحكي فيها الراوي مواضيع قصصيَّة لمعركة ما، أو يصف دياراً أو يهجو أو يمدح شخصاً معيناً.

أما طريقة أدائها فتتكوّن من مجموعة من الأشخاص، لا يقلّون عن عشرين رجلاً، يصطفّون على هيئة نصف دائرة، ويسمى هؤلاء الراقصون "الرواديد" أو "الرديدة"، وهو الاسم الذي يعود لدورهم في الغناء باعتبارهم جوقة، وفي وسطهم يقف الشاعر الذي يبدأ في إنشاده بقصيدة من الفخر أو المدح أو الغزل، أو أي غرض آخر، لكنها في العادة تبدأ بالصلاة والسلام على الرسول، وكلما قال الشاعر بيتاً، أجابه الرواديد ببيت محدد يقول: "هلا هلا به يا هلا/ لا يا حليفي يا ولد". ويسمى الشاعر بالبداع، بينما تسمى القصيدة بالبدعة.

وفي بعض الأحيان، يتطور الأداء درامياً مع دخول ما يسمى "الحاشي" أو "المحوشي"، وهو راقص منفرد أمام الصف، وكان الحاشي في الأصل امرأة، لكن أصبح الرجل هو من يقوم الآن بهذا الدور.

كانت المرأة أو الفتاة، قديماً، تشارك الرجال، حين تدخل ساحة الرقص وبيدها عصا أو سيف، منتقبة ومرتدية زيّاً أسود، فلا يتعرّف عليها أحد، وأثناء الرقص يحاول الرجال الإمساك بالفتاة، ولكن حين يمدّ يده عليها تقوم بضربه بالسيف أو العصي. وتتبادل الفتيات المجهولات الرقص واحدةً تلو الأخرى، هذه تخرجُ من الخيمة، وهذه تدخل. وفي تطوّر درامي آخر للرّقصة يتمّ أسرُ الحاشي، وإجبارها على الجلوس في مقعد أمام الصف، ولا يتم فك أسرها إلا بتأليف بيت من الشعر، في نوعٍ من الترفيه والإلغاز بالشعر. ويتم اختيار أبيات شعريّة سريعة ولماحة ولا تحتوي على الكثير من التعقيد.



يذكر أن اسم "الدحة"، مأخوذ من لفظة يرددها الأشخاص أثناء عملية التصفيق المنتظم المصاحب للرقص، حيث يقولون مع التصفيق "دح دح". ويقال إن الدح بمعنى الضرب بقوة.
دلالات
المساهمون