"الحيط": بساطة سردية لذاكرة وراهن

15 ابريل 2020
"الحيط" لمخلوف: جدار ذاكرة وواقع وراهن (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
اقتراحٌ للموقع الإلكتروني "أفلامنا" يُتيح مُشاهدة فيلم قصير (24 دقيقة) للّبنانية أوديت مخلوف، بعنوان "الحيط" (لبنان، 2012)، المعروض لغاية 22 إبريل/ نيسان 2020. تحدث المُشاهدة قبل 3 أيام من الذكرى الـ45 لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (13 إبريل/ نيسان 1975). استعادة تلك الحرب في الفيلم القصير تبتعد كلّياً عن مَشاهدها. الحكاية متعلّقة بحدثٍ تشهده إحدى العائلات اللبنانية راهناً، فأحد الأبناء (جورج) يريد هدم حائطٍ داخل المنزل لتغيير في الديكور، يُتيح له توسيع غرفة النوم. أي أنّ متطلبات اللحظة دافعٌ سينمائي، ربما، إلى استعادة بعض هذا الماضي العائلي.

لكن الحائط ذاكرة وذكريات، فهو من "الباطون المسلّح" (الإسمنت المعزز للحماية من القصف)، الذي يقي أفراد العائلة وجيرانهم من كلّ أذية يُمكن أن تُسبِّبها الحرب لأحدهم. يحتمي الجميع به. يجلسون إليه. يختبئون في ظلّه. يستسلمون إليه بأمان، فهم يُدركون أنّه الحامي لهم من قصفٍ أو رصاص. يروون له حكاياتهم ومخاوفهم وانشغالاتهم وأحلامهم وآمالهم ورغباتهم وتوقهم إلى الخلاص. يُدركون أنّه لن يخذلهم. يعرفون أنّه باقٍ لهم ومعهم. لكن للراهن متطلّباته، والحاجة تبدو ملحّة لإزالته.

لا بكائيات ولا ضجيج ولا ندب ولا خطاب. الفيلم وثائقيّ شكلاً، لكن محتواه السرديّ أقرب إلى الروائي المستلّة قصّته من الواقع. إلغاء الفاصل بين النوعين السينمائيين غير كامل، فالوثائقي غالبٌ لكن مضمونه يميل إلى سرد مرويّات عن الحرب والماضي والعلاقات والهجرة والراهن والتفاصيل الصغيرة، التي تصنع يوميات أفراد العائلة تلك، أمس واليوم.

الحرب حاضرة في مرويات أناسٍ يجلسون أمام الكاميرا ليعودوا معها إلى ماضٍ باقٍ في مكان ما داخل كلّ واحد منهم. يروون ما يتذكّرون. يبوحون بما يشعرون. يقولون ما يَعلَق في ذاكرة أو حلمٍ. يجلس جورج بين شقيقتيه، فتُصوّرهم الكاميرا كأنّهم خارجون من صُور فوتوغرافية بالأسود والأبيض. الجدّة في غرفتها. هناك من يجلس قرب زوجته، وهناك من يحتل فضاء الغرفة وطاولة الطعام والأشياء الصغيرة المنثورة هنا وهناك. شخصيات هادئة رغم ثقل الذاكرة. أشخاص مُحبَّبون ولطيفون وجاذبون، بكلّ ما فيهم من انفعالات وذكريات. تلتقيهم الكاميرا الثابتة أمامهم في حوارٍ يذهبون فيه إلى مشاعر وحنين ورغبة وصورة.

بساطة "الحيط" أقوى وأجمل. الضربة الأولى التي يتلقاها الحائط تُعلن نهاية وهمٍ أو تاريخ، أو ربما تُكمِل وهماً وتاريخاً. الفيلم جزءٌ من ذاتٍ تبغي كشفاً لذاكرة ومشاعر. الحرب الأهلية اللبنانية حاضرة من دون أن تظهر. أناسٌ يقولون عيشاً ويشتاقون إلى أبناء وبناتٍ مهاجرين. صُوره تعكس، عبر كلام وانفعال وبوح، ماضياً وراهناً.

مُشاهدته مُثيرة للانتباه والمتابعة، لما فيه من صُور تحثّ على تأمّل ذاتٍ وروح، وعلى حفظ ذاكرة وماضٍ، وعلى تطلّع حيوي إلى مُقبلٍ من الأيام.
المساهمون