استضافت مدينة لندن، في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، معرض معدات الدفاع والأمن العالمي، والذي شهد أيضاً حركة احتجاجات نظمتها "الحملة ضد تجارة السلاح"، والتي تتخذ من العاصمة البريطانية مقراً لها. وتنشط الحملة ضد تجارة السلاح منذ أن تأسّست قبل 40 عاماً، كحركة معارضة لصادرات السلاح البريطانية وتجارة السلاح الدولية، وهي ضمّت في بداياتها مجموعة متنوعة من المنظمات المنتمية للحركات التي تنادي بالعدالة الاجتماعية، والمناهضة للحرب.
ويقع مقر الحملة في لندن، لكنها تملك مجموعات دعم محلية في كل أنحاء المملكة المتحدة. كما أنها جزء من "الشبكة الأوروبية ضد تجارة السلاح" التي تضم مجموعات مماثلة في القارة الأوروبية.
وبحسب سميث، فإن "الحملة ضد تجارة السلاح" تعمل على عدد من القضايا والجبهات. ففي الوقت الحالي تُركز الحملة على وقف دعم المملكة المتحدة السياسي والعسكري للمملكة السعودية، خصوصاً في ما يتعلق بتجارة السلاح التي تؤدي دوراً مركزياً في تدمير اليمن.
يستعرض سميث، في حديثه مع "العربي الجديد"، بعضاً من آليات عمل الحملة بالقول "نعمل بعدد من الطرق، من العمل المباشر إلى البحث والعمل الإعلامي والعمل مع البرلمانيين". وبرأيه، فإن شركات السلاح تملك علاقات وثيقة سياسياً مع الحكومة البريطانية. ويتجلى أحد مظاهر هذه العلاقات في تبادل الأدوار بين مقر الحكومة وشركات السلاح. فهناك عدد كبير من المسؤولين السياسيين والعسكريين والوزراء، ممن انتقلوا للعمل في شركات السلاح والصناعات الأمنية، بعد انتهاء خدمتهم الحكومية، بحسب المعطيات التي يملكها سميث. ويؤكد أن كل هؤلاء يأخذون معهم علاقاتهم التي بنوها في مناصبهم، واطلاعهم على تفاصيل حيوية ضرورية لإتمام صفقات سلاح مغرية، على حد وصفه.
ولذلك، فإن صناعة السلاح موجودة في قلب آليات عمل الحكومة، وهو ما يعطيها تأثيراً على المواقع الحساسة في دوائر صنع القرار، مما يتيح لشركات الأسلحة الوصول إلى دول خارجية بمساعدة سياسية وحكومية، وهذا ما يفسر تفضيل الحكومة دائماً دعم تجارة السلاح على حساب حقوق الإنسان، في الخارج، بحسب ملاحظة سميث.
وفي ما يتعلق بتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على صفقات السلاح البريطانية، يقول سميث إنه "من المبكر الحديث عما إذا كان قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي سيؤثر على تجارة السلاح". وبالنسبة إليه، فإن "أحد المخاطر يكمن في إمكانية التشديد على أهمية تجارة السلاح وتصديرها للدكتاتوريات والأنظمة التي لا تعير حقوق الإنسان أي اهتمام". وعند السؤال عن الخطوات التي قامت بها الحملة ضد معرض السلاح الذي أقيم أخيراً في لندن، يجيب سميث بأن معرض معدات الدفاع والأمن الدولي يُعد أحد أكبر معارض السلاح في العالم. ويجمع المعرض أكبر شركات السلاح، وبعضاً من أكثر الأنظمة قمعاً في العالم في لندن، لافتاً إلى أنه لم يكن للمعرض أن يقام لولا الدعم الحكومي القوي له، بحسب تأكيده.
مبيعات الأسلحة هذه لا تُوفر الدعم العسكري فقط، بل ترسل رسالة واضحة بالدعم السياسي أيضاً. وفي هذا الصدد، يكشف سميث عن الخطوات التي اتخذتها الحملة في مواجهة هذا الوضع، قائلاً إن الحملة "تقدمت بدعوى قضائية ضد صادرات السلاح البريطانية للسعودية، بحجة استخدامها في اليمن". ويعرب عن اعتقاده بأن "هذه الصادرات ليست غير أخلاقية فقط، وإنما غير قانونية أيضاً"، مشيراً إلى أنه جرى تحويل الدعوى إلى المحكمة العليا في فبراير/شباط الماضي. لكن الحكم القضائي صدر ضد الحملة في يوليو/تموز الماضي، بحسب تأكيد سميث الذي يقول "نحن الآن في سياق التقدم بطعن في هذا الحكم، ونتمنى أن تصل القضية إلى محكمة الاستئناف في الأشهر المقبلة".
ويدرك سميث أن التحدي الذي تواجهه الحملة "ليس قانونياً فقط، ولكنه سياسي، وبالتالي يُركّز قسم كبير من الحملة على تعديل النقاش السياسي حول صادرات الأسلحة، ودفعها إلى أولوية جدول المهام الحالية".
وتُظهر استطلاعات الرأي المتتالية أن الغالبية العظمى من جمهور المملكة المتحدة يُعارض تصدير السلاح إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان. وفي هذا الشأن، يذكر سميث أن الحملة تحتاج "إلى تحريك هذه المعارضة للوصول إلى التغيير المطلوب". ويلفت إلى أن "أكبر نجاحات الحملة يتمثل في جذب الانتباه المتزايد لسجلّ المملكة المتحدة السيئ في تسليح الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان، إذ عندما جرى تنظيم المعرض هذا العام، قدِم الآلاف من المحتجين، بمن فيهم العديد ممن كانت تلك تجربتهم الأولى في التظاهر"، بحسب تعبيره. ويخلص إلى أن "الطريق طويلة أمام الحملة لوضع حد للتورط البريطاني في انتهاك حقوق الإنسان والقمع، ولكن قسماً كبيراً منها يعتمد على زيادة الوعي لما يجري وتحريك المزيد من الأفراد ضده"، بحسب تعبيره.