"الحشد" يواصل تصعيده ضد القوات الأميركية رغم استرضائه بامتيازات مالية وقانونية

10 مارس 2018
المشمولون بالقرار يتجاوزون الـ120 ألف مسلح (مارتن ىيم/Getty)
+ الخط -

تزداد حرب التصريحات الإعلامية من طرف مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق ضراوة، رغم جهود رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لإنهاء أزمة "القوات الأجنبية" في العراق، مع فصائل "الحشد"، من خلال التأكيد، لثلاث مرات في أقل من أسبوع، على أنها قوات للتدريب لا القتال، وأنها تقدم المساعدة للقوات العراقية. وزاد عليها مساء أول من أمس بالإعلان عن امتيازات جديدة وغير مسبوقة لـ"الحشد الشعبي"، تقضي بمساواة عناصره مالياً وقانونياً بأفراد الجيش العراقي ومنحهم امتيازات الترقية والتقاعد والعلاج والتعليم، في خطوة فسرت على أنها لإرضاء قيادات "الحشد" وكسب نقاط انتخابية في الشارع الجنوبي، على خصمه نوري المالكي، وقائمة "الفتح" التي تتبنى "الحشد الشعبي"، بزعامة القيادي فيها هادي العامري.

ويعتبر القيادي في مليشيا "الحشد الشعبي"، جواد الطليباوي، تواجد القوات الأجنبية وقواعدها العسكرية، لا سيما الأميركية، في العراق "مصدر قلق للشعب". وقال الطليباوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأميركيين عادوا إلى العراق إبان احتلال داعش لبعض المناطق، بغرض المشاركة في الحرب على الإرهاب، لكن ما إن استقر الوضع في شمال وغرب البلاد، حتى سارعوا إلى بناء قواعد عسكرية مثيرة للجدل ومقلقة للشعب، وهذا لم يكن ضمن الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة الأميركية". وأضاف أن "العراق حالياً ليس بحاجة لتواجد القوات الأميركية، فلديه ما يكفي من عناصر الجيش والشرطة والحشد الشعبي".

وفي الوقت الذي تؤكد فيه فصائل مسلحة وجود قواعد عسكرية أجنبية في العراق، ينفي العبادي هذا الأمر، إذ أكد، في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء الماضي، عدم وجود أي قواعد عسكرية لقوة أجنبية في البلاد. وقال إن "القوات الدولية في العراق لا تعمل إلا بموافقة الحكومة الاتحادية، ولا توجد أي قاعدة أجنبية على الأراضي العراقية". وفي موازاة ذلك، أكد مصدر برلماني مقرب من العبادي أن "العراق يعمل مع قوات التحالف الدولي وفق جدول زمني، ولا يستطيع خرق اتفاقه معها، وأن وظيفتها هي تدريب القوات العراقية فقط"، مشيراً إلى أن "التصريحات المناهضة لتواجد القوات الأجنبية في مناطق غرب البلاد وشماله، ما هي إلا دعاية لضمان مكاسب انتخابية مبكرة". وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن "التواجد الأجنبي لن يطول، فبحسب الاتفاق بين الطرفين، فإن مدة سنة ستكون كافية لمغادرتهم، ليأتي بعدها دور خبراء ومدربي حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتدريب قواتنا الأمنية"، مبيناً أن "العبادي لا يخشى أي تهديد تطلقه فصائل الحشد الشعبي في أي أمر كان، لا سيما في التعامل مع القوات الأجنبية". ولفت إلى أن "القيادة السياسية العراقية تعرف جيداً أن الكثير من تهديدات قادة الحشد ما هي إلا أوامر تأتيهم من إيران، والمراقب للشأن العراقي سيلاحظ الهدوء الجماعي لقادة الحشد في المواضيع التي تتعلق باستقرار العراق، والغضب الجماعي لنفس القادة في المواضيع التي لا توافق سياسة إيران الخارجية".

وبحسب السفير الأميركي في بغداد، دوغلاس سيليمان، فإن أعداد القوات الأميركية في العراق شهدت انخفاضاً كبيراً عقب إعلان النصر النهائي على "داعش". وقال سيليمان، في بيان أخيراً، إن "مساعدة واشنطن تتركز حالياً على تدريب القوات العراقية للإمساك بالأراضي التي تحررت، إضافة إلى تقديم مساعدات إنسانية للنازحين إلى حين عودتهم"، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة أنفقت 112 مليون دولار على تأمين المناطق المحررة، عبر رفع الألغام والعبوات، إضافة إلى أموال أخرى ساهمت بها ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مخصصة لدعم العراق". وكانت "حركة عصائب أهل الحق" هددت، الأسبوع الماضي، باتخاذ إجراءات، تتضمن استخدام القوة، ضد القوات الأميركية، على اعتبار أنها قد "فرضت تواجدها"، وأعطت الحكومة "مهلة" لم تحددها من أجل إخراجها، وإلا فإنها ستعاملها معاملة "المحتل". ويعلل عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، إسكندر وتوت، تهديدات "العصائب" و"تحالف الفتح"، بـ"برود القرار الحكومي" في التعامل مع قضية أمنية وسيادية. وقال وتوت، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق ليس ضيعة في أميركا، لذا فعلى التحالف الدولي أن يحترم إرادة الشعب الرافض لتواجد قواته في البلاد"، مبيناً أن "الطائرات الحربية الأميركية تسببت بدمار كبير في محافظتي الأنبار والموصل، إذ إنها كانت تقصف بلدة كاملة وتحولها إلى ركام إذا أرادت قتل عنصر من تنظيم داعش. لذا فهذه الأفعال وحدها تدعو إلى المطالبة بمغادرة التحالف الدولي الأراضي العراقية".



ورأى الخبير في الشأن العراقي، واثق الهاشمي، أن "فصائل الحشد الشعبي جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية للقوات العراقية، وبالتالي تخضع لأوامر العبادي، ولا يمكن لأي فصيل تهديد الحكومة لأي سبب كان"، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "إخراج القوات الأجنبية قرار حكومي، والتهجم عليها يعني بطريقة أو بأخرى التهجم على الحكومة". وأضاف أن "القوات العراقية بشتى صنوفها بحاجة إلى التدريب والاستشارة، والقوات الأجنبية القليلة المتواجدة حالياً ما هي إلا مدربون ومستشارون"، فيما وصف تهديدات قادة "الحشد" للحكومة "بالمتسرعة". ويقضي المرسوم الحكومي الجديد بحصول أفراد مليشيات "الحشد" على كل الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها أفراد المؤسسة العسكرية العراقية. وسيحصل المقاتلون على رواتب تتساوى مع ما يتقاضاه أقرانهم من عناصر الجيش، كما ستطبق عليهم قوانين الخدمة العسكرية، ولهم الحق في التقاعد والتعليم والامتيازات الأخرى. واشترط التحصيل الدراسي الأدنى هو القراءة والكتابة. ووفقاً للمرسوم، الذي يعد نافذاً اعتباراً من غد الأحد، فإن القائد الأعلى لـ"الحشد" هو رئيس الوزراء، الذي يسمي رئيسا للهيئة، وله الحق في منحه صلاحيات تنظيمية، وتحدد مراتب ودرجات ذلك وفقاً لنظام آمر تشكيل وآمر قوة قتالية وآمر مجموعة قتالية وآمر مفرزة قتالية ومقاتلين ومتطوعين ومبلغين دينيين وموظفين. وتحدد المناصب المذكورة من قبل رئيس الوزراء نفسه الذي يمنحه الدستور صفة القائد العام للقوات المسلحة العراقية.

ورسخ القانون الجديد، الذي كان متوقعاً منذ أيام في ظل عملية أخذ ورد بين "الحشد الشعبي" والعبادي بخصوص التواجد الأميركي في العراق وموازنة المليشيا لهذا العام، والتي حددها بنحو 80 مليون دولار لأغراض التسليح والتدريب والتجهيز، وأبقى مرتباتهم ضمن الموازنة العامة للبلاد كباقي الموظفين ومنتسبي الأجهزة الأمنية والجيش، موضوع استقلالية "الحشد الشعبي" وعدم ارتباطه بأي مؤسسة أخرى في سيناريو مشابه للحرس الثوري الإيراني. وقال مسؤولون عراقيون في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن المشمولين بقرار ليلة الخميس يتجاوزون حاجز الــ 120 ألف مقاتل، من بينهم مئات يتواجدون حالياً في سورية لدعم نظام بشار الأسد. وقال وزير عراقي، لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، إن "هناك 30 ألف متطوع أيضاً ما زال مصيرهم معلقاً بين الانضمام إلى الحشد أو رفضهم، وهم ممن انضم في العام 2016 وما بعده إلى الحشد وليس منذ البداية"، لافتاً إلى أن "القرار أو القانون يحتاج إلى تفصيلات كثيرة سيتم الإعلان عنها في بيان لاحق بالتأكيد".

وفي أول تعليق على المرسوم، قال زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، الشيخ قيس الخزعلي، "في الوقت الذي نشكر فيه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، على الاستجابة السريعة بمساواة رواتب عناصر الحشد الشعبي بأقرانهم في القوات الأمنية فإننا ننبه إلى أن الشيطان يكمن في التفاصيل". وشدد على ضرورة "تثبيت أعداد الحشد الشعبي كما هي موجودة في قانون الموازنة، والبالغ عددهم 122 ألف منتسب، وتحويلهم إلى الملاك الدائم"، داعياً إلى ضرورة أن "يكون قادة وآمرو ومسؤولو الحشد الشعبي من نفس الحشد وليس من بقية التشكيلات الأخرى". واعتبر الخزعلي أنه "من دون تنفيذ هذين المطلبين فإن ما جرى يعتبر محاولة خداع واستهداف للحشد"، داعياً إلى "الإبقاء على الجهوزية للمطالبة بتثبيت حقوق الحشد الشعبي وبقاء هذا التشكيل". من جانبه، قال القيادي في "الحشد الشعبي" في النجف، علي الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، إن "القانون تنظيمي وقد يكون مقيداً للحشد وضابطاً لحركته أكثر من الآن"، مبيناً أن "البيئة العراقية لا تشبه الإيرانية، لا من حيث المجتمع ولا التفكير، لذا لا تمكن مقارنة الحشد بالحرس الثوري بأي شكل من الأشكال، وأغلب قوات الحشد ستكون بمثابة قوات احتياط تستدعى حين الحاجة". ولفت إلى أن "المخاوف التي يطلقها البعض من هذا القانون ووضع الحشد لا تخلو من الطائفية وبها مبالغة وتهويل"، مؤكداً أن "الحشد يجب أن يكافأ، وليس أن يقال له شكر الله سعيك وعودوا إلى منازلكم بعد قتال أربع سنوات، وأعتقد أن هذا هو الجزاء الأفضل لهم" على حد قوله.

المساهمون